الشاعر الغنائي المصري “إبراهيم ناجي” كان طبيباً وموسيقياً ومؤلف ومترجم، ولد في سنة 1898م، في حي شبرا الشهير بالقاهرة، كان والده مثقفاً، مما ساعده على التفوق والنجاح في عالم الشعر والأدب، وكان “ناجي” من أوائل المهتمين بالثقافة الطبية، لدرجة أنه قام بإصدار مجلة طبية باسم “حكيم البيت”، وظل يمارس مهنة الطب حتى وفاته وهو في عيادته يفحص أحد مرضاه في عام 1953م.
ترك الطبيب “إبراهيم ناجي” تراثاً شعرياً رائعاً، غير أن شعره لم يحظ باستحسان بعض النقاد التقليدين في تلك الفترة من أمثال عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور “طه حسين” وكذلك الشاعر “إبراهيم الدسوقي أباظة” الذي يعد رائداً في جماعة ما يسمى “شعراء العروبة”، لكن شعره نال استحسان الذواقة من محبي الأدب الرومانسي.
بدأت شهرة الدكتور “إبراهيم ناجي” بعد مشاركته وزملائه من الشعراء وهم؛ الشاعر الطبيب “علي محمود طه”، والشاعر المصري المعاصر “صالح جودت”، والشاعر “مختار الوكيل” في تأسيس ما يسمى بجماعة (أبوللو) التي تأسست عام 1932م، قبل فترة قصيرة من وفاة أمير الشعراء “أحمد شوقي” والذي كان أول رئيس لها، وبعد وفاة “شوقي” أصبح الدكتور “ناجي” وكيلاً لجماعة (أبوللو) قبل أن يؤسس رابطة الأدب الحديث التي ظل رئيسا لها حتى وفاته.
للدكتور “ناجي” كثيراً من الإصدارات والمؤلفات ومن أهمها كتاب ألفه عام 1938م مشاركة مع الدكتور “إسماعيل أدهم” -وهو من الكتاب المسلمين الذين أعلنوا إلحادهم- عن توفيق الحكيم بعنوان “الفنان الحائر”، وكتاب “كيف نفهم الناس” و “مدينة الأحلام”، و “عالم الأسرة”.
ويقال إن “ناجي” عاش قصة عاطفية في بداية حياته وهو في عمر السادسة عشر، فقد أحب بنت الجيران لدرجة الهوس، وأنقطع عنها لانصرافه في دراسة الطب، وبعد انتهاء دراسته وجدها وقد تزوجت رجل آخر، غير أنه لم يستطع نسيانها وظل يتذكرها، وبعد مرور سنوات أتاه رجل في عيادته الطبية مصطحباً زوجته المريضة والتي كانت تعاني من ولادة متعسرة، والمفاجئة أن المرأة هي محبوبته بنت الجيران، وكانت تلك صدمة كبيرة له، نعم انها حبه الأول، الذي لايزال ساكناً في قلبه ويتذكره دائما.
بعد إنقاذ محبوبته المرأة المريضة، وعودته للمنزل استعاد ذكرياته الخالدة مع حبيبته بنت الجيران، وكتب رائعته الشهيرة قصيدة “الأطلال” التي شدت بها سيدة الغناء العربي السيدة “أم كلثوم” والتي يقول فيها:
يا فؤادي لا تسل أين الهوى: كان صرحاً من خيالٍ فهوى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً: وحديثاً من أحاديث الجوى
ومضى كل إلى غايته: لا تقل شئنا فإن الله شاء
رحم الله الشاعر الطبيب “إبراهيم ناجي”، إنه أبرز طبيب ظهر أثر ممارسته للطب فيما تركه من الشعر والأدب، فقد عبر بمنتهى الدقة عن المشاعر الإنسانية في العشق والحرمان ونكران الجميل.
1
مقال رائع يا معالي الدكتور بروعة كاتبه. لقد هيجت فينا ذكريات كوكب الشرق حيث كنت في تونس عندما غنت رائعة ناجي (الأطلال) وهي أفضل ما غنت أم كلثوم، تقول أبياتها الأخيرة،
وانتبهنا بعدَ ما زالَ الرحيق وأفقنا ليتَ أنَّا لا نفيقْ
يقظةٌ طاحت بأحلامِ الكَرَى وتولَّى الّليلُ واللَّيْلُ صَدِيقْ
وإذا النُّورُ نَذِيرٌ طَالعٌ وإِذا الفجرُ مُطِلٌّ كالحَرِيقْ
وإذا الدُّنيا كما نعرفُها وإذَا الأحْبَابُ كلٌّ في طَريق
أَيُّهَا السّاهرُ تَغْفو تَذْكُرُ العَهْدَ وَتَصْحو
وَإِذا مَا إَلتَأَمَ جُرْحٌ جَدَّ بِالتِذْكَارِ جُرْحُ
فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَنْسى وَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَمْحو
يَاحَبِيْبي كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءْ مَا بِأَيْدينَا خُلِقْنَا تُعَسَاءْ
رُبَّمَا تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا عَزَّ الِّلقَاءْ
فَإِذا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ وَتَلاَقَيْنَا لِقَاءَ الغُرَبَاءْ
وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ لاَ تَقُلْ شِئْنَا فَإِنَّ الحَظَّ شَاء [2][3]