المقالات

الحجيلان والسيرة الزاخرة

كتابٌ رائع آسر حشَد فيه الشيخ جميل الحجيلان كل طاقته الفكرية والأدبية والنقدية وحنكته السياسية وحِسِّه الإنساني ……
يقع الكتاب في مجلدين ضخمين لكن رغم ضخامته فإنه يشد القارئ حين يبدأ فيه فلن يتركه حتى ينهيه فالكتاب يشبه رواية مثيرة وبليغة تزخر بالأحداث والشخصيات والتقلبات والمواقف والملاحظات والتعليقات والمفارقات إن الكتاب ثريٌّ كثراء الحياة ومتنوع المضمون كتنوع العالم إنه ليس قصة حياة فرد ولكنه تاريخ وطن وقصة علاقات هذا الوطن بالعالم كله ….
لقد عرف الناس جميل الحجيلان وزيرًا وعرفوه متحدثًا بليغًا لكن الكثيرين ربما لا يعرفون أنه كاتب آسر وأديب متمكن وصاحب فكر عميق وحكمة ناضجة ويكتب بأسلوبٍ عذبٍ مشرقٍ أنيقٍ متدفق …..
الأصل في جميل الحجيلان أنه مثقف وأديب لكن المسؤوليات استغرقت حياته فلم يُعرف بوصفه مفكرًا وأديبًا. لذلك فإنه في هذه السيرة الحافلة كمن أراد أن يحتفظ له التاريخ بمكانة رفيعة ليس فقط كواحد من رجال العمل والفعل وإنما أيضا بوصفه واحدًا من رجال الأدب والفكر والحكمة ……
إن المضمون الكثيف للكتاب يدل على أنه قد أخذ الموضوع بمنتهى الجدية والعناية والاهتمام والرصانة ….
لقد أدرك أن الناس ينسون الوزراء فمهما تنوعت المسؤوليات ومهما كانت في وقتها رفيعة ومثيرة ومبهجة فإن الزمن كفيل بمحوها من الذاكرة ولكن جميل الحجيلان بهذه السيرة الثرية الآسرة قد ضمن الخلود ….
ليس التاريخ سوى ما أنجزه المتميزون من الأفراد الذين هيأت لهم الظروف وقدراتهم الشخصية أن يكونوا في الطليعة لذلك يكون رائعًا وعظيمًا بل واجبًا أن يكتبوا عما مروا به من أحداث وما تحملوه من مسؤوليات وما عايشوه من مواقف وما حصل لهم من إيجابيات وسلبيات وما استخلصوه من عِبَر فسِيَرهم لا تخصهم وحدهم وإنما تهم الجميع ……
إن القادة الذين تستغرقهم الأفعال يكون حولهم من يؤرخ لهم فقد كان يرافق الاسكندر مؤرخ يدون كل ما يراه ويسمعه ويشهده أما من يكون من رجال الفكر والفعل فيكتب سيرته بنفسه …..
الحجيلان هيأته الظروف وقدراته الشخصية البازغة أن تُسنَد إليه مسؤوليات شديدة التنوع والجسامة منذ تَخَرُّجه من كلية الحقوق بمصر فقد كانت المملكة في بداية التكوين وكانت بحاجة إلى مثله للاسهام في العمل والانجاز فأُلحِق موظَّفًا بوزارة الخارجية بجده …….
لقد باشر المسؤوليات العامة منذ أن كان في العشرين من عمره فكان أول التقاء له بالقيادة الترجمة بين الملك عبدالعزيز ووزير الخارجية الأسباني في عهد فرانكو ثم عمل مع كل الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان ……
عمل بوظيفة سكرتير أول بسفارة المملكة في إيران ثم نُقِل للسفارة في الباكستان ثم كُلِّف بإدارة الاعلام والصحافة ثم صار أول وزير للاعلام بعد إنشاء وزارة الاعلام ثم كُلِّف سفيرًا للمملكة في ألمانيا ثم كُلِّف سفيرًا في فرنسا وبقي في فرنسا عشرين عامًا …..
وكُلًِف وزيرًا للصحة واختارته المملكة ليكون الأمين العام لمجلس التعاون ….
الحجيلان فريد في تنوع المسؤوليات العالية التي أُسندت إليه لقد عاش قرابة القرن في أشد القرون تقلُّبًا ونشاطًا وحركة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى