المقالات

هنا مربط الفرس!!

أشارت الحفريات على أن أصل الخيل كان موجوداً في القارة الأمريكية، وكان حجمه أصغر بكثير مما هو عليه الآن، وأكدت الدراسات أن تاريخ نشأة الخيل تعود إلى ما يزيد على الستين مليون سنة؛ وللخيل مكانة متميزة عند العرب منذ القدم، وخاصة ذوات السلالات الأصيلة، وقد تغنى بها الفرسان والشعراء، كما أن ذكرها ورد خمس مرات في كتاب الله الكريم.
وكانت تضرب بها الأمثال والحكم منها على سبيل المثال؛ الخيل أعلم بفرسانها، والخيل ميامين أي مباركات، من اليمن والبركة؛ وكذلك المثل القائل أبصر من فرس لحدة بصره.
وما عبارة “مربط الفرس” إلى رمزية أو إشارة مهمة لدى القدماء، ترمز للتركيز على محور النقاش والحديث، لأن البعض من الناس تراهم بعيدين عن محور الحدث والحديث؛ ومربط الفرس هو أيضاً رمز للانتهاء والوصول إلى الهدف أو المغزى من الشيء؛ ويحكى في قديم الزمان، أن أحد شيوخ قبيلة شمر نزل في استضافة شيخ من شيوخ قبيلة الاساعدة، وكان من عوائد العرب أن يقوموا بتجهيز القهوة حتى يشربها الضيف مع مضيفه في الصباح.
وفي صباح أحد الأيام لم يأتي الضيف كعادته في كل يوم، فعلم أن فرس الضيف قد سرقت منه في الليل وهو ما منعه من الحضور، ولما عاتبه شيخ قبيلة الاساعدة على عدم إخباره بواقعة سرقة فرسه في حينها ليساعده في الحصول عليها!!
قال الضيف: لم أظن أن لديكم فرساً يستطيع اللحاق بالشهيلة، و(الشهيلة) هي أسم فرسة الضيف المسروقة، فأمر الشيخ ابنه أن يركب في الحال فرسه (العيبة) الصغيرة ويذهب للحاق بفرسة الضيف المسروقة (الشهيلة)، كي يبحث ويقتفي أثرها ومن ثم يعود بها للضيف.
ركب الفتى فرسه وأنطلق في ضحى اليوم، وعاد في عصر اليوم نفسه على فرسه دون أن يكون معه فرس الضيف (الشهيلة)، عندها قال الضيف لشيخ القبيلة الذي يستضيفه: ألم أقل لك أن الشهيلة لا تُلح، وكان حزيناً جداُ على فقدها.
ولما أقترب الفتى منهم بفرسه، سأله والده شيخ القبيلة عن فرس الضيف المسروقة (الشهيلة) ولما لم يتمكن من اللحاق بها.
قال الفتى رداً على سؤال والده شيخ القبيلة: لقد تعبت من الجري فربطتها في مكان قريب ومعها رأس السارق معلق بجانبها هناك، فأدركوها سريعاً بالماء لأنها عطشى.
فذهب الجميع إليها محملين بالماء ووجدوا صدق ما قاله الفتى من أمر فرس الضيف المسروقة (الشهيلة)، ومنذ ذلك الوقت وهذا المربط (المكان) الذي ربط فيه الفتى الفرس، يعرف بمربط الفرس عند قبائل العرب جميعاً.
وعلى ذلك صار هذا المثل يضرب للتأكيد على امر يراد به أن يكون هو الصحيح اثناء الحديث، فيأخذ به كنقطة ارتكاز وضوء، والمقصد من الحوار دون اللغو الكثير مع الآخرين دون فائدة.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى