لقد أبدع الشعراء العرب في نظم الشعر عبر مختلف العصور، وأحتل نظم الشعر مكانة خاصة في ثقافتهم منذ عصر ما قبل الإسلام، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، فقد كان الشعر العربي ليس وسيلة للتعبير الفني فقط، بل كان يحمل أبعاداً اجتماعية وثقافية وحضارية.
وقديماً عرف الشاعر “قدامة بن جعفر البغدادي”، الذي ولد بمدينة البصرة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري، الشعر بإنه : “هو قول موزون مقفى يدل على معنى”.
إنه حديث قلب وعقل وجوارح، وفناً قائماً على الخيال والإبداع والإيجاز، يخاطب النفس ويحمل تجاربها، وأفراحها، وأتراحها، بأسلوب جميل يهز المشاعر والأشجان.
حول هذا يقول الشاعر العراقي الكبير “جميل الزهاوي” أحد شعراء نهضة الأدب في العصر الحديث:
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه
فليس خليقا أن يقال له شعرَ
وفي ذلك يقول أمير الشعراء “أحمد شوقي”:
والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
قديماً قالت العرب: إن أشعر شعرائها في الجاهلية أربعة هم: “امرؤ القيس” إذا ركب، و”النابغة الذبياني” إذا رهب، و”زهير بن أبي سلمى” إذا رغب، و”الأعشى” إذا طرب، وهم بذلك يقصدون أن هؤلاء الشعراء الأربعة كانوا يقولون أفضل أشعارهم في الحالات التالية:
الأول “امرؤ القيس” إذا ركب، أي عندما يمتطي جواده، مثل قوله:
وقد أغتدي والطير في وكناتها… بمنجرد قيد الأوابد هيكل.
والثاني، “النابغة الذبياني” إذا رهب، أي إذا خاف ووجل، فهو مشهور باعتذاراته للملك “النعمان بن المنذر اللخمي”، أحد أشهر ملوك المناذرة قبل الإسلام، الملقب بأبي قابوس، وذلك في قوله:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
وتلك التي أهتم منها وأنصب
فأنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
والشاعر الثالث هو “زهير بن أبي سلمى” أذا رغب، فإنه إذا رغب في مدح أحد الملوك والأمراء أو كبار شيوخ القبائل، كقوله:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
والرابع هو الشاعر الفحل “ميمون بن قيس الأعشى” إذا طرب، فلقد وصف بصناجة العرب، لأنه يقول أحسن الشعر وأعذبه وأجوده، وكانت الغانيات تتغنى بشعره، كقوله:
ودع هريرة إن الركب مرتحلُ
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
قالت هريرة لما جئت زائرها
ويلي عليك وويلي منك يا رجلُ
ولد “الأعشى” في بلدة المنفوحة في اليمامة عام 570م، أدرك الإسلام في حياته ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره.
وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه حبر الأمة الصحابي الجليل “عبدالله بن عباس” رضى الله عنه: (إن من البيان سحراً ، وإن من الشعرِ لحكمة).