التاريخ لا يرحم الأمم التي تترك شعوبها فريسة للفوضى، ولا يُخلّد الشعارات التي تبدأ بالهدم وتنتهي بالخراب. إن الفوضى التي تُقدّم كطريق للتغيير ليست سوى سراب يبتلع أحلام الشعوب، ويحوّل الأوطان إلى رماد. هذه الحقيقة ليست وليدة اليوم؛ بل درسٌ تكرّر مراراً، حيث نرى كيف اختطفت تيارات الإسلام السياسي بأطيافه المختلفة أحلام الشباب ودفعتهم إلى أتون صراعات لا أفق لها، تحت غطاء شعارات زائفة تُشعل الحرائق ولا تُطفئها.
لقد كان استهداف الشباب السعودي، جزءاً من مخطط واسع يستهدف أمن بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية بصفتها العمق الاستراتيجي للعرب والمسلمين، وصمام الأمان الذي يحمي المنطقة من التفكك والضياع. هذا الاستهداف لم يكن عبثاً ولا طارئاً، بل هو امتدادٌ لمحاولات تاريخية تهدف إلى زعزعة استقرار المملكة. تدرك هذه الجماعات، التي تتقن التلاعب بالدين والشعارات العاطفية، أن شباب المملكة هو نقطة القوة التي تُشكل الحصن المتين لهذا الوطن؛ لذلك تضعهم في قلب مخططاتها، مُحاولةً تشويه وعيهم وإغرائهم بمسارات ظاهرها الحرية والعدالة المزعومتين وباطنها الفوضى والهدم.
لقد رأى العالم كيف تحوّلت أحلام التغيير في بعض الدول إلى فوضى مُدمرة بفعل هذه الجماعات والفرق، وليس ما حدث في سوريا الشقيقة منا ببعيد؛ حيث استغلت الفرق الضالة أزمات الناس واحتياجاتهم لتزرع بذور الصراع، ولتُحوّل الشباب إلى أدوات يُحركها خطاب تحريضي يخدم مصالح قوى لا تعرف للإنسانية معنى. لم يكن الهدف نصرة الشعوب أو بناء الأوطان، بل كان تفكيكها وتحويلها إلى مساحات يملؤها اليأس والدمار، بينما بقيت هذه الجماعات تُتاجر بالأزمات وتقتات على الفوضى.
وفي مقابل ذلك، واجهت المملكة العربية السعودية هذه التحديات بحزم وقوة ضارية ووعي استثنائي فريد، مدركةً أن حماية الشباب ليست مجرد تحصين فكري، بل هي بناء لمستقبلهم وإشراكهم في صناعة الحاضر. إن رؤية المملكة 2030 تُقدّم نموذجاً مضاداً لكل هذه المحاولات؛ فهي رؤية تستنهض طاقات الشباب وتُحوّل أحلامهم إلى مشاريع حقيقية تُشارك في نهضة وطنهم العظيم. هذه الرؤية ليست مجرد مواجهة فكرية لأجندات هذه التيارات، بل هي إعادة صياغة لدور الشباب بوصفهم بُناة المستقبل وحُماة الاستقرار.
إن المملكة تُقدّم رسالة واضحة؛ التغيير الحقيقي لا يأتي من الفوضى، ولا يُبنى على تجاوز المواثيق وشرعيات الأوطان، بل من خلال العمل والبناء في ظل مؤسسات راسخة وسيادة قانون تُحافظ على مكتسبات الوطن. إن الحرية التي تُشاع في غياب الشريعة وسيادة القانون ليست سوى فوضى مدمرة، والاستقرار الذي تُحاربه هذه التيارات الإرهابية هو الضمانة الوحيدة لمستقبل آمن تُصان فيه حقوق الأجيال القادمة.
المعركة مع هذه التيارات والفرق الضالة ليست مجرد مواجهة أمنية؛ بل هي معركة وعي وإدراك عميق لطبيعة الاستهداف وأدواته. هذه الجماعات التي تسعى لاختطاف الدين الحنيف وتسخيره لمصالحها تُحاول تشويه قيم الإسلام النبيلة، في وقتٍ تُثبت فيه المملكة أن حقيقة الدين هو دين للبناء والوسطية ولا يتحقق ذلك إلا بفهمه كما فهمه سلف الأمة، دين يُعلي من قيمة العمل والعلم والإبداع، لا التدمير والصراع.
الشباب في المملكة اليوم يُدرك حجم المسؤولية المُلقاة على عاتقه؛ فهو ليس مجرد هدف لهذه الجماعات، بل هو الجدار الذي تتحطم عليه كل محاولاتها. هذا الشباب الذي يُثبت كل يوم وعيه وإيمانه بوطنه، يُدرك أن الانتماء للوطن والالتفاف حول قيادته ليس خياراً بل هو واجب تُحتّمه مقتضيات العقيدة والوطنية.
إن التاريخ يُسجل أن المملكة، بفضل الله تعالى ثم برؤيتها الحكيمة ورهانها على شبابها، تُواجه هذه الأفكار الهدامة بمشروعات حقيقية تُحوّل التحديات إلى فرص. واليوم، حين يُدرك الشباب في المملكة أن وطنهم هو من يُقدّم لهم المستقبل، وأن هذه الأرض التي تُراهِن عليهم ليست مجرد حدود جغرافية، بل هي هوية وملاذ وحُلم، يُصبحون هم أنفسهم حُماة هذا الوطن وسياجه المنيع.
إن التغيير الذي يبدأ بالفوضى ينتهي بالدمار؛ لكن التغيير الذي يقوم على الوعي والبناء هو وحده الذي يُحقق كرامة الشعوب ومجد الأوطان. والمملكة العربية السعودية، بشبابها ورؤيتها، تُقدّم للعالم اليوم نموذجاً مُلهماً يُثبت أن المستقبل يُصنع بإذن الله حين تتحصن العقول، وتُصقل المواهب، وتُترجم الأحلام إلى إنجازات تُخلّد في صفحات التاريخ.
إن الوطن الذي يُؤمن بشبابه لا يُهزم، والشباب الذين يُدركون قيمة حُكامهم وأوطانهم لا يُخترقون. جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم –رحمه الله- في صحيحه:(خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم…).
* باحث في الشريعة والقانون