في رحلة ملهمة تتناغم فيها أبعاد التاريخ والفن مع روحانية التفاصيل، ألقى الأستاذ الدكتور مختار عالم محاضرة بعنوان “كسوة الكعبة والخط العربي” ضمن فعاليات معرض جدة للكتاب 2024، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، واستعرض خلالها تاريخ كسوة الكعبة المشرفة ومراحل تطورها عبر العصور، مسلطاً الضوء على جماليات الخط العربي وخصوصية المواد المستخدمة في صناعتها.
وافتتح د. مختار حديثه بالكشف عن نوع الخط المُستخدَم في كتابة النصوص على الكسوة، وهو خط الثلث الجلي المركب، الذي يُعرف بجماله وصعوبته، ويُلقب بـ”أم الخطوط”. وعلّل اختياره بثلاثة أسباب: مكانته الفنية بين الخطوط، وجماله الفريد، ومرونته التي جعلته الخيار المثالي لتزيين بيت الله الحرام.
وانطلق في عرض الأشكال الزخرفية المميزة لخط الثلث على الكسوة، متناولاً العناصر المختلفة مثل المستطيلات ذات الجوانب نصف الدائرية، التي تظهر على الحزام وبعض أجزاء الستارة، والمستطيلات ذات الجوانب المقوسة المستخدمة في الستارة، بالإضافة إلى الدوائر والقناديل مثل “يا رحمن يا رحيم”، و”وأفوض أمري إلى الله”.
وفي محطته التالية، تناول تفاصيل قطع الكسوة الست، بدءاً من الثوب الخارجي الذي يحمل كتابات مخفية تُعرف بـ”الجاكارد“، الذي يعود تاريخ كسوته بالكامل لأول مرة إلى عصر ما قبل الإسلام مع ملك اليمن تبع الحميري. ثم تحدث عن الحزام (الطراز)، وهو الشريط المزخرف أعلى الكعبة، مشيراً إلى بدايات ظهور النصوص عليه في القرن الثالث الهجري.
واستعرض القطع الأخرى مثل ستارة باب الكعبة (البرقع)، التي ظهرت لأول مرة في القرن الخامس الهجري، وستارة باب التوبة الداخلية التي يرجع تاريخها إلى العصر المملوكي، والكسوة الداخلية التي زُيِّنت بها الكعبة من الداخل منذ العصر العباسي الثاني، وأخيراً كيس مفتاح الكعبة المشرفة، الذي كان يُرسل بانتظام منذ العصر المملوكي.
وألقى مختار أيضاً الضوء على كسوة مقام إبراهيم عليه السلام، مشيراً إلى شواهد تؤكد وجودها في العصر المملوكي، واختتم محاضرته بالحديث عن الزخارف النباتية التي تزين الكسوة حالياً، مبيناً تنوع أشكالها ومواقعها الدقيقة حول النصوص والركنيات.
معرض جدة للكتاب 2024، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري، يفتح أبوابه يومياً من الساعة 11 صباحاً حتى منتصف الليل (2 ظهراً يوم الجمعة)، مقدماً للزوار تجربة فريدة تجمع بين ألق الثقافة وعمق التاريخ، مع باقة من الأنشطة واللقاءات الأدبية التي تلهم عشاق المعرفة.