البهاء زهير، لقبوه بكاتب السر للملك الصالح نجم الدين الأيوبي، ووصفوه بمجدد الأوزان في عصر انحسر فيه الشعر عن الزهو والإبهار، يصفه بعض المؤرخين بالحجازي، ويصفه بعضهم بالمصري، ويجمع له آخرون بين الوصفين، ولئن كان مولد البهاء زهير بمكة أو بوادي نخلة بالقرب من مكة، في روايتين رواهما ابن خلكان الذي عرفه واجتمع به، فإن البهاء زهير مصريُّ المنشأ، مصري الروح، مصري العاطفة، فهو القائل:
فرعى الله عهد مصر وحيا…ما مضى لي بمصر من أوقاتِ
حبذا النيل والمراكب فيه… مُصعِداتٍ بنا ومنحدراتٍ
هاتِ زدني من الحديثِ عن النيل… ودعني من دجلةٍ والفراتِ
ولد البهاء زهير في الخامس من ذي الحجة سنة 581هـ، وتوفى قبل مغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة من سنة 656هـ، بوباء حدث بمصر ذلك العام، ودُفن من الغد بعد صلاة الظهر غير بعيد من قبة الإمام الشافعي رضى الله عنه في جهتها القبلية.
والقارئ لشعر البهاء زهير يحس بما في نفس الشاعر من رقةٍ وحسن ذوق، وبعد عن الشر والأذى، ومما يدل على ذلك لطف روحه أنه قلما يهجو بغير الوصف بالثقل.
قال عنه المستشرق الألماني (كارل بروكلمان) في كتابه “الأدب العربي”: إن شعر بهاء الدين زهير، كاتب السر في الدولة المصرية، يجعلنا ندرك ما بلغه لسان العرب من المرونة والاستعداد للتعبير عن ألوف من دقائق العواطف التي صقلتها مدينة خلفاء صلاح الدين الزاهية، ولذلك قيل عن شعره: السهل الممتنع.
من أجمل قصائده، إن لم تكن أجملها، تلك التي نظمها في رثاء ابنه، وقد مات شابا، يقول:
نهاك عن الغواية ما نهاكا… وذقت من الصبابة ما كفاكا
وطال سُراك في ليل التصابي… وقد أصبحت لم تُحمد سُراكا
فلا تجزع لحادثة الليالي… وقل لي إن جزعتَ فما عساكا
حبيبي كيف حتى غبت عني… أتعلم أن لي أحدا سواكا
أراك هجرتني هجراً طويلاً… وما عودتني من قبل ذاكا
وما فارقتني طوعاً ولكن… دهاك من المنية ما دهاكا
فليتك لو بقيت لضعف حالي… وكان الناس كلهم فداكا
وختم القصيدة بالأبيات التالية:
يعز على حين أدير عيني… أفتش في مكان لا أراكا
ولم أر في سواك ولا أراه…شمائلك المليحة أو حلاكا
يقول عنه المؤرخ وقاضي القضاة “ابن خلكان” صاحب كتاب “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”: إن “بهاء الدين زهير” كان من الفضلاء النبلاء، أحسنهم نظماً، ومن أكثرهم مروءة ونخوة وغيرة.
ومن لطيف ما نقل عنه؛ أنه كان يغار على زوجته غيرة شديدة، حتى انه كان يتجنب ذكر اسم زوجته أمام الناس والأعراب؛ فكان كلما أراد أن يتحدث عن أمر يخص زوجته أمام الناس كان يقول: “بعض الناس قالوا وفعلوا”.
كتب “البهاء زهير” بيتين من الشعر يعدهما النقاد (أغيَر) بيتين قيلت في الشعر العربي:
وأنزهً اسمك أن تمرّ حروفهُ…من غَيرَتي بمَسامِع الجُلاسِ
فأقول (بعضُ الناس) عنك كنايةً…خوْفَ الوُشاةِ وأنت كلّ الناسِ