محمد إبراهيم
منذ أن تولى بشار الأسد الحكم في سوريا عام 2000، تحول الإعلام من وسيلة للمساءلة إلى أداة للترويج لسياسات النظام. ومع ذلك، كانت هناك محاولات مستمرة من قبل الصحافيين لتقديم الحقيقة، إلا أنها قوبلت بقمع ممنهج جعل سوريا واحدة من أخطر البلدان على الصحفيين في العالم.
وورث الأسد الابن عن والده الراحل كما يكرر عارفوه الطباع الباردة والشخصية الغامضة. وتتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه.
ولعب ذلك دوراً أساساً في “صموده” في وجه “الثورة” التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها ثم “العزلة” العربية والدولية التي بدأت تنفك منذ أعوام عندما تمكن من البقاء في منصبه
الصحافيون.. أعداء محتملون
تعامل النظام مع الصحفيين كأعداء محتملين، لا كشركاء في بناء مجتمع قائم على الشفافية، وتعرض العديد منهم للاعتقال التعسفي دون تهم واضحة أو بمحاكمات شكلية. في السجون، أصبح التعذيب ممارسة اعتيادية، يُستخدم لإجبار المعتقلين على الاعتراف بتهم زائفة أو لترويع غيرهم من العاملين في المجال الإعلامي، وكان بعضهم يختفي دون أثر، ليظهر لاحقًا كجثة مجهولة الهوية أو لا يظهر أبدًا.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، أصبحت الصحافة المستقلة هدفًا رئيسيًا للنظام، وسعى الأسد إلى القضاء على أي صوت يعارض روايته للأحداث، وتم إغلاق الصحف والمجلات، وفرضت قيود مشددة على الإنترنت، بينما واجه الصحافيون الميدانيون الموت المباشر جراء القصف أو عمليات القنص المتعمدة.
لم تقتصر سياسات القمع على الداخل السوري، بل امتدت لتشمل الصحفيين الأجانب الذين حاولوا تغطية الأوضاع في البلاد. تم منع العديد منهم من دخول سوريا، بينما اعتقل آخرون أو تعرضوا للخطف على أيدي مجموعات مدعومة من النظام. وحتى المؤسسات الإعلامية الدولية التي غطت الانتهاكات وجدت نفسها مستهدفة بحملات تشويه منظمة.
الصحافة كجزء من الصراع السياسي
لم يكن قمع الصحافة في سوريا منفصلًا عن قمع المعارضة بشكل عام. بل كان جزءًا من استراتيجية أوسع لتصفية كل من يتجرأ على الوقوف في وجه النظام.
استخدم الأسد أدواته الأمنية والاستخباراتية لسحق أي مقاومة، وخلق بيئة من الخوف والترهيب تمنع الصحافيين والمعارضين من التعبير عن آرائهم.
أدى هذا القمع إلى فرار مئات الصحافيين والنشطاء خارج البلاد. في المنافي، حاول هؤلاء مواصلة عملهم، لكن النظام لم يتوقف عن ملاحقتهم. بطرق مباشرة أو غير مباشرة، تعرض هؤلاء للتهديد أو الابتزاز أو حتى التصفية الجسدية في بعض الحالات.
في ظل هذه الظروف، لم يبق في سوريا سوى الإعلام الموالي للنظام، الذي تحول إلى أداة دعائية تروج للروايات الرسمية. أما الصحافة المستقلة فقد أُجبرت على العمل من الخارج، محاولة تسليط الضوء على الانتهاكات رغم المخاطر.
عاش الصحافيون السوريون بين خيارين: الصمت في مواجهة القمع، أو المنفى في مواجهة المجهول. ومع كل ذلك، كانت محاولات الصحافيين والنشطاء مستمرة، رغم ما يواجهونه من تحديات.
وكشف التاريخ الحديث لسوريا تحت حكم بشار الأسد عن أن قمع الصحافة لم يكن مجرد عرض جانبي، بل جزءًا أساسيًا من استراتيجيات النظام للبقاء في السلطة.
ومع ذلك، ورغم كل محاولات التكميم، يبقى صوت الحقيقة حاضرًا، يواجه التحديات بشجاعة، في انتظار يوم تتحقق فيه العدالة.