أصول بمليارات الدولارات: أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
محمد إبراهيم
على مدار العقود الماضية، شكلت عائلة الأسد رمزًا لاحتكار السلطة والثروة في سوريا، حيث تكدست أموالهم بطرق مشبوهة عبر استغلال موارد الدولة وممارسات غير قانونية أخرى. اليوم، ومع سقوط نظام بشار الأسد، تزداد التساؤلات عن مصير هذه الثروة الهائلة التي يُعتقد أنها موزعة في مختلف أنحاء العالم.
تقديرات حجم الثروة تختلف وفقًا للتقارير والمصادر الدولية. تشير بعض الدراسات إلى أن ثروة بشار الأسد وعائلته قد تتراوح بين ملياري دولار و12 مليار دولار، تتوزع بين عقارات وشركات وأصول مالية في أوروبا ومنطقة الكاريبي. في عام 2012، أشار تقرير صادر عن “فورين بوليسي” إلى أن الأسد يعتمد على شبكة واسعة من رجال الأعمال الموالين له لتحريك هذه الأموال. بينما تشير وثائق أخرى إلى أن العائلة كانت تدير شركات واجهة تعمل في قطاعات النفط والعقارات، مستغلة العقوبات الدولية كغطاء لتحويل الأموال عبر شبكات معقدة.
الثروة لم تتشكل من فراغ. كانت موارد الدولة تحت السيطرة المباشرة لعائلة الأسد وشركائهم، حيث احتكروا العقود الكبرى وأداروا أعمالًا في قطاع النفط والتجارة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح تصنيع المخدرات، وخاصة الكبتاغون، مصدر دخل رئيسي للنظام، مع تحويل سوريا إلى مركز عالمي لهذه التجارة. في عام 2021، ضبطت السلطات الإيطالية شحنة كبتاغون تُقدر قيمتها بمليار دولار، يُعتقد أنها مرتبطة بشبكات تديرها عائلة الأسد.
الجهود الدولية لتعقب أموال العائلة مستمرة منذ سنوات، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب البنية المعقدة لشبكات غسيل الأموال التي استخدمتها العائلة. في فرنسا، جُمّدت أصول رفعت الأسد، عم بشار الأسد، بعد إدانته بغسل الأموال والاستيلاء على الأموال العامة السورية. في بريطانيا، وُضعت أسماء الأسد، زوجة بشار، على قائمة العقوبات، مع تجميد أصولها ومنع التعامل معها تجاريًا. ومع ذلك، لا تزال العديد من الأصول مخفية في بنوك ومؤسسات مالية تُعرف بسياسات السرية الصارمة، مما يجعل استعادتها عملية طويلة ومعقدة.
شركات وهمية وتهريب الأموال
إحدى الروايات البارزة حول ثروات الأسد تعود إلى العام 2020، حين كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن تحقيقات تشير إلى تورط العائلة في تهريب مبالغ كبيرة من الأموال إلى روسيا عبر شبكة من الشركات الوهمية. وأشارت التقارير إلى أن هذه الأموال استُخدمت لشراء عقارات فاخرة في موسكو، بينما أودعت مبالغ أخرى في حسابات بنكية سرية. تلك الشبكات تعتمد على وثائق مزورة وعقود ظاهرية لتجنب التعقب الدولي.
لكن ماذا عن دور المعارضة السورية في هذه القضية؟ المعارضة، على الرغم من انقساماتها، لم تتوقف عن الضغط من أجل استعادة الأموال المنهوبة. في عام 2023، أنشأت مجموعات معارضة بالتعاون مع منظمات دولية لجنة مختصة لتعقب أموال الأسد في الخارج، حيث قدمت بيانات دقيقة للسلطات القضائية في أوروبا وأمريكا اللاتينية. أسفرت هذه الجهود عن فتح تحقيقات جنائية ضد عدد من الشخصيات المرتبطة بالنظام، لكنها لم تصل بعد إلى جوهر الشبكات المالية التي تديرها العائلة.
الأرقام المذهلة لهذه الثروات تظهر حجم الفجوة بين عائلة الأسد والشعب السوري الذي يعاني من الفقر والدمار. فبينما تتكدس الأموال في حسابات خارجية، يعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الجهود الدولية في إجبار النظام السابق على إعادة هذه الأموال لصالح الشعب وإعادة إعمار البلاد.
الأبعاد السياسية والقانونية لفساد النظام
الملف ليس ماليًا فقط، بل يحمل أبعادًا سياسية وقانونية. فالجهود المبذولة لتعقب الأموال تتداخل مع محاولات محاسبة النظام السوري على جرائمه ضد الإنسانية. ولهذا السبب، يتم النظر إلى هذه القضية كجزء من معركة أوسع لتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الدمار الذي لحق بسوريا وشعبها. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يكفي تجميد الأصول في الخارج لتحقيق العدالة؟ أم أن هناك حاجة لجهود دولية أكثر تنسيقًا لاستعادتها بالكامل؟
الثروة الهائلة لعائلة الأسد هي أحد أكبر ألغاز الفساد في القرن الحادي والعشرين. وبينما تتزايد الضغوط الدولية لاستعادتها، تظل الشبكات المعقدة التي تديرها العائلة عائقًا كبيرًا أمام المحققين. ما بين عقارات في لندن وموسكو، وشركات وهمية في جزر الكاريبي، وأموال مخبأة في مصارف سويسرية، يبقى مصير هذه الأموال مسألة غامضة، لكن حتمية كشفها وإعادتها للشعب السوري تبدو أمرًا لا مفر منه لتحقيق العدالة وإعادة بناء وطن دُمر علىي د نظامه الحاكم.