المقالات

الشواهد التاريخية بين السردية والتحليلية

الشواهد التاريخية، كما سطرها عمالقة المؤرخين في مؤلفاتهم، تُعد هوية مركبة وليست صافية. فهي ليست وحدات صلبة، بل كيانات متعددة الأبعاد تتأثر بمن كتبها والزمان الذي كُتبت فيه.

هذا يجعل التعامل مع الشواهد يتطلب وعيًا نقديًا يعترف بتعدد زوايا النظر، ويدرك أن كل قارئ (أو محلل) يختار موقعًا مختلفًا على خارطة النص. ويوضح أن التعامل النقدي مع الشواهد يشبه التنقيب عن المعادن
• “الأراخ” يظل على السطح ويستنسخ المعدن كما هو، دون محاولة استخلاص جوهره.
• منهجه يعسكر وراء النص ويتخذه متراسًا للدفاع عن معناه الظاهر أو السائد.
• هدفه التماهي مع النص كما هو، دون محاولة تحليله أو تجاوزه، وإعادة إنتاج النص واستنساخه، لكن غالبًا ما يكتفي بالمظهر السطحي، مما يؤدي إلى نوع من الجمود أو القصور في الفهم.
• يشن حربًا على النقد والتأويل، مما يعيق تحرير النص من قيوده التقليدية.
• أما المؤرخ المحترف، فهو يغوص إلى العمق لتحليل المعدن الخام وتنقيته، ليصل إلى جوهر المعنى.
• منهجه “العسكرة” في قلب النص ليكتشف أعماقه.
• هدفه تحرير النص وفهم معانيه الكامنة من خلال التحليل والتفكيك والتفسير.
• طريقته السعي لاستنطاق النص، وإيضاح أبعاده، وتحويله إلى معدن خالص بدلاً من الاكتفاء بمعدنه الخام.
• نقده يتسم بإزالة الغموض وإعادة ترتيب النصوص التاريخية في سياقاتها المختلفة.

في الختام، نستخلص أن الطرح يبرز أهمية النقد التاريخي كعملية إبداعية تفرق بين الاكتفاء بالنقل والتقليد (الأراخ)، وبين التحليل والإبداع (المؤرخ). وهو يدعو إلى تجاوز القراءات السطحية للشواهد التاريخية والانفتاح على أعماقها، لتصبح أداة لفهم الماضي، وليس فقط استنساخه.

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى