المقالات

ريادة سينما الجامعات

في عالم متسارع تتحكم فيه الصورة والرسالة البصرية، تُعد صناعة السينما إحدى أهم أدوات التأثير الثقافي والاقتصادي. وفي هذا السياق، تظهر ريادة سينما الجامعات كفرصة استثنائية لتحويل الجامعات إلى مراكز للإبداع ومصانع لإنتاج قادة المستقبل في هذا المجال. فالاقتصاد الإبداعي يُعد من أبرز مستهدفات تنويع القاعدة الاقتصادية السعودية ضمن رؤية 2030.

ريادة سينما الجامعات ليست مجرد فكرة لتعليم الطلاب أساسيات الكتابة، والتحرير، والتصوير، والإخراج، بل هي نهج استراتيجي يتجاوز الأطر التقليدية للتعليم الإعلامي. إنها استثمار في العقول الشابة وتحفيز لإمكاناتها الإبداعية لتقديم رؤى سينمائية تعكس هوية الوطن وتواجه تحدياته. الجامعات، بمكانتها الأكاديمية والعلمية وإمكاناتها البحثية، قادرة على أن تصبح حاضنات للإبداع السينمائي من خلال دمج التعليم الأكاديمي بالممارسة الإعلامية العملية.

لنتأمل، على سبيل المثال، دور الجامعات السعودية في دعم الإنتاج السينمائي بالتعاون مع المؤسسات السعودية المتخصصة، عبر إنشاء استوديوهات داخلية وتجهيز الطلاب بأحدث التقنيات الإعلامية. إضافة إلى ذلك، تحفيز التخصصات البينية من خلال إشراك طلاب وطالبات من تخصصات غير إعلامية لترجمة أفكارهم الإبداعية. تخيل طالبًا لديه فكرة فيلم تناقش قضية علمية أو تقنية أو ثقافية أو اجتماعية معقدة، يجد الدعم الكامل لإنتاج عمله وعرضه في مهرجان سينمائي تنظمه جامعته. هذا النموذج لا يثري الطلاب فقط، بل يخلق حراكًا ثقافيًا داخل المجتمع الأكاديمي يمتد أثره إلى المشهد السينمائي الوطني.

ويجدر الإشادة بتجربة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ممثلة في كلية الاتصال والإعلام، التي أطلقت مهرجانًا للأفلام الطلابية واختتمت نسخته الثانية مؤخرًا. اشتمل المهرجان على مسابقات للأفلام الطلابية، وجلسات حوارية، وورش عمل متنوعة. وقد توسعت المشاركة لتشمل معظم الجامعات السعودية، مما أوجد منصة تحفيزية تطويرية للطلاب والطالبات.

إنَّ ريادة سينما الجامعات هي أيضًا فرصة لتوجيه الصناعات الثقافية نحو الابتكار. من خلال البحث العلمي، يمكن تطوير تقنيات جديدة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الإنتاج، وتعزيز الاستدامة في عمليات التصوير، وخفض تكاليف الإنتاج الإعلامي باستخدام تقنيات حديثة. كما يمكن للجامعات أن تسهم في تعزيز الهوية الثقافية عبر إنتاج أفلام طلابية تعكس تراث المجتمع السعودي، مما يعزز الحضور الثقافي السعودي دوليًا.

في النهاية.. ريادة سينما الجامعات ليست مشروعًا فنيًا فحسب، بل استثمار استراتيجي يُثري العقول، ويحفز الاقتصاد الإبداعي، ويعزز القيم الثقافية الوطنية. إنها فرصة للمؤسسات الثقافية والفنية والجامعات للاستثمار في الصناعة الإبداعية، حيث تُعد السينما أفقًا للإبداع والتميز.

د. بندر الجعيد

أكاديمي وكاتب اقتصادي .. DrBandaraljaid@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى