كتب الشاعر المصري المتألق فاروق جويدة قصيدة أسماها “جاء السحاب بلا مطر”، تعبيرًا عن التفاؤل والاستبشار الذي ينتهي بعدم تحقق المراد والفشل في استمطار الأهداف المنشودة. وفي الواقع الذي نعيشه، يواجه الناس مواقف تبدو في ظاهرها فرجًا وخيرًا، ولكن في حقيقتها تكون فشلًا ذريعا.
هذه المسألة تشكل حجر الزاوية في نظام الثقة بالتغيير. فعلى الرغم من أن التغيير من السنن الكونية التي تغلف الحياة بشيء من التجديد وحل العقبات المعيشية، ورغم أن وجوده أمر حتمي يرغبه الناس للضرورة ولطلب ما هو أفضل ليكون شكل الحياة جميلًا ومزدهرًا، إلا أنه لا يحمل في طياته الضمان بنتائج إيجابية مستدامة تبرر القيام به.
لقد سعت بعض الشعوب العربية للبحث عن الحرية بمفهوم “الديمقراطية” الحديثة التي يرون فيها حلاً لكثير من الأزمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها الأنظمة المستبدة. وللأسف الشديد، ازداد الأمر سوءًا، ولم تكن تلك الحرية إلا سحابًا بلا مطر وحرية شكلية لا جوهرية، ومرحلة تنفيس بعد اختناق. فلم تحقق هذه التجارب للشعوب استقرارها ورفاهيتها المنشودة.
وبكل وضوح، فإن الاستقرار المنشود تحول إلى تكتلات وأحزاب سياسية، يعمل بعضها في الخفاء بتحالفات مشبوهة مع دول صبت عبثها في المنطقة العربية، مما أضر كثيرًا بأمن واستقرار المنطقة ومصالح شعوبها. كما أوجدت أجنحة لتفكيك الدول العربية، بدعمها للمليشيات التي شقت لحمة المجتمعات، بما لا يمكن معه قيام نظام الدولة كدولة.
وما حدث في سوريا ليس إلا مثالًا على انفراج حقيقي من نظام مستبد، لا يخدم إلا ذاته ولا يرعى إلا مصالحه الفاسدة. ومع زواله، تبدت شمس الحرية للشعب العربي السوري الشقيق، بيد أن المرحلة الحالية والمستقبلية تحمل كثيرًا من المخاطر التي قد لا تكون متوقعة ولم تكن في الحسبان.
ونحن نتحدث عن ذلك، يحدونا الأمل بأن يمن الله على سوريا الشقيقة بالأمن والاستقرار، وأن يوفق الله القوى التي تتصدر المشهد فيها إلى ما فيه مصلحة سوريا وانتمائها العربي.
عودة إلى البداية، فإن التغيير الراديكالي يتنفس معه الناس الحرية، ولكنه يستلزم شيئًا من الاهتزازات المتكررة لفترة زمنية ليست بالقصيرة. وكل الأمنيات بأن لا يأتي الوقت الذي يكون فيه واقع التغيير في سوريا الشقيقة عنوانه “جاء السحاب بلا مطر”.
ومضة:
مازال يركض بين أعماقي
جواد جامح..
سجنوه يومًا في دروب المستحيل
ما بين أحلام الليالي
كان يجري كل يوم ألف ميل
وتكسرت أقدامه الخضراء
وانشطرت خيوط الصبح في عينيه
واختنق الصهيل.