في زحمة الحياة وتداخل العلاقات الإنسانية نجد أنفسنا أحياناً أمام اختبارات دقيقة تضعنا في مواقف نحتاج فيها إلى التوازن بين حقوقنا وحفاظنا على روابط المودة مع الآخرين. على مدار السنين تعلمت درساً ثميناً من الحياة فأحياناً يكون التخلي عن المطالبة المباشرة بحقوقي مع زملائي وأصدقائي خياراً أفضل ليس ضعفاً بل حفاظاً على جسر التواصل والعلاقات الإنسانية.
في بيئة العمل أو بين الأصدقاء قد يحدث أن يخطئ الآخرون بحقنا عن قصد أو دون قصد. قد تتأخر كلمة شكر نستحقها أو يغفل الآخر عن تقدير مجهود بذلناه. أمام هذه المواقف كانت ردة فعلي الأولى في بدايات حياتي هي المطالبة بحقوقي مباشرة معتقداً أن ذلك سيعيد الأمور إلى نصابها. ولكنني فوجئت بأن الأمر لا يفهم دائماً كما كنت أتوقع. أحياناً ينظر إلى المطالبة على أنها نوع من الأنانية أو أنها تكشف عن حساسية مفرطة مما يجعل التوتر يتسلل إلى العلاقة.
الحياة علمتني أن المودة أسمى من الحقوق وخصوصاً مع ذوى القربى وأن الصمت أحياناً وسيلة فعالة للتعبير عن القوة. ليس كل معركة تستحق الخوض وليس كل حق يطالب به بشكل مباشر. عندما نتخلى عن التمسك ببعض التفاصيل الصغيرة نمنح العلاقات فرصة للنمو بعيداً عن مشاعر التوتر أو سوء الفهم. وفي أحيان كثيرة يدرك الطرف الآخر حقك من تلقاء نفسه ويعود ليقدر موقفك الراقي.
لكن هذا الدرس لا يعني التخلي عن حقوقنا دائماً أو قبول الظلم. بل هي دعوة للتفكير في الأولويات. متى تكون المطالبة حقاً ضرورياً ومتى يكون الصمت حلاً أفضل ؟
ففي العلاقات الإنسانية لا تقاس الأمور دائماً بالمعايير المطلقة للعدالة بل بالتوازن الذي يحافظ على الود ويجنبنا الصراعات التي قد تضعف الروابط.
مع مرور الوقت لاحظت أن اختيار الصمت في المواقف البسيطة أتاح لي بناء علاقات أعمق وأكثر صدقاً. فمن يقدر قيمتك سيلحظ مجهودك وإن لم تتحدث ومن لا يقدرها فإن المطالبة قد لا تغير شيئاً.
الحياة مدرسة ودروسها تستمر ما دمنا نتعلم.
واليوم أستطيع القول إنني تعلمت أن أوازن بين حقوقي وبين حرصي على أن يبقى باب الود عامراً مع الجميع. فليس هذا تنازلاً بقدر ما هو قوة تترجم في القدرة على الحفاظ على السلام الداخلي والانسجام مع الآخرين
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس