عندما نقلب صفحات تاريخ مكة المكرمة ومسجدها الحرام ومعالمها ومواضعها، شرفها الله، نجد الإمام الأزرقي وتوأمه الإمام الفاكهي لهما في تدوين تاريخها المقام الأسمى والقدح المُعلّى. فلهما الفضل والسبق على كل من جاء بعدهما.
ثم ننتقل عدة قرون لنقدم على شيخ مكة ومسندها ومؤرخها وبلدانيها وفقيهها، الإمام الحافظ تقي الدين الفاسي، أعجوبة التصنيف والتحقيق في كل ما يتعلق بتاريخها. والذي يذكرنا بشيخ التاريخ في طيبة الطيبة وأعجوبة تدوين تاريخها، الإمام نور الدين السمهودي. ومن اللطيف أنه ليس بينهما سوى 11 عاماً، غير أنهما كانا يكتبان بمنهج متقارب وكأنهما من مدرسة واحدة.
ثم تعاقب علماء مكة كأنهم سلسلة إسناد من قرن إلى قرن، في مظاهر جمال تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها. ومن ذلك ظهور أسر علمية كان لها كبير الأثر، وخرج منها قامات في تدوين التاريخ المكي كأسرة آل فهد وآل ظهيرة والطبريين وغيرهم. وممن جاء بعدهم أسماء علماء كبار كالسنجاري، والعصامي، وابن الصباغ، والحضراوي، والدهلوي. ثم مسند مكة ومؤرخها الشيخ عبدالله الغازي صاحب العمل الموسوعي إفادة الأنام، والعلامة محمد طاهر الكردي صاحب التاريخ القويم، وغيرهم الكثير من الأعلام الطيبين.
وفي هذا الزمن، ومع النهضة العلمية التي نعيشها، أبت بطاح مكة ومعالمها إلا أن تخرج منها مكنزة تاريخية وشخصية فذة علمية بنكهة تجديدية لتوثيق تاريخ مكة. ذلك من خلال اعتمادها على العمل الميداني وتطبيقه على ما جاء في المصادر الأصيلة، وأهم الخرائط القديمة والحديثة، ونوادر الصور بمنهج البحث العلمي المعتبر.
فكان المؤرخ الجغرافي ومكنزة تاريخ معالم مكة، البلداني د. معراج مرزا، تلكم الشخصية الفريدة التي استطاعت وبكل كفاءة واقتدار أن تحفر اسمها في ديوان تاريخ مكة العريق بمُكنة العالم الضليع وآداب القدوة الخليق. فهو بحق أحد أساتذة الجيل السائرين على طريقة من تقدم من مؤرخي مكة بنهج معاصر رفيع وتقني، وتوثيق متين علمي. فقد حرص على جمع نوادر الصور والتقارير والخرائط والمصادر المهمة في تاريخ مكة ورحلاتها من جميع مراكز البحث والمكتبات، وما له علاقة بها في الداخل والخارج، وترجمة ما تحتاجه المكتبة التاريخية المكية. فجزاه الله خير الجزاء.
معراج مرزا، مؤرخ ورمز علمي يكتب اسمه بمداد من الفخر والاعتزاز على ما قدم وما زال يقدم.
ولقد شرفتُ بمعية أخي وتوأم روحي مهندس القلوب أنس صيرفي بتواصل علمي معه، ورحلة سفر جميلة في المعرفة مع هذا الرمز الذي يتدفق علماً وبحثاً وتحقيقاً متجدداً. ناهيك عن خزانته العلمية الثرية، وما تحويه مكتبته العامرة من مصادر قيمة، فضلاً عن محصوله العلمي الكبير، وما يمتلكه من معارف علمية واسعة، وعقل رحب، وقوة ودقة في البحث والتصنيف والتحقيق.
وهو، وفقه الله، لم يكتفِ بما تقدم وحسب، بل ترك لنا جملة من ثمار غرسه ونتاج عمله وعطائه، ومن ذلك عدد من الكتب التي ألّفها أو شارك فيها أو ترجمها ونقلها للعربية. ومن أهمها:
• الأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة الرقمي: ذلك العمل النفيس بما احتواه من نوادر الرسومات والصور والسرد التاريخي بعبارة سهلة جامعة مانعة. وقد تشرف معالي د. بكري عساس، مدير جامعة أم القرى الأسبق، بتقديم نسخة منه لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 11 محرم من عام 1438 هـ.
• مكة من السماء: جمع فيه صوراً فضائية وجوية لمعالم مكة مختارة في أزمنة مختلفة.
• أطلس تاريخ مكة.
• دراسات في جغرافية مكة المكرمة.
• أطلس فضائي لتحديد وتتبع معالم وأحداث السيرة النبوية الشريفة.
• أطلس للمواقع التاريخية والأثرية بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
• مكة المكرمة في شذرات الذهب للغزاوي.
• الحج إلى مكة المكرمة: تجربة الحج الهندي في الفترة من 1500-1800م (من نقله وترجمته).
• مكة المكرمة في عيون رحالة نصارى.
وغير ذلك من الكثير الطيب النافع من مؤلفات مؤرخ الوطن وجغرافيه المبرز اليافع، د. معراج مرزا، الذي يستحق منا كل الشكر والتقدير والثناء. وخير ذلك هو صادق الدعاء.