إضاءات
يا سيد عصام، رحمك الله يا من كان حديثك معي لا يُمل، مفعماً بالبهجة والسعادة والمودة والسرور والابتسام. كنت دائماً لا تعرف إلا المحبة والتواضع والرضا والسلام. كنت صاحب المعروف والصدقات التي توزعها بنفسك للمحتاجين بكل كرم ومودة واحترام. أسأل الله أن يرحمك ويغفر لك ويعيننا على فراقك. الله، ما أصعبها من أيام.
وداعاً يا صاحب القصص والروايات الجميلة، والتفاصيل الدقيقة التي كنت ترويها لنا بلغة تشويقية، تشارك فيها العيون والابتسامات وإشارات اليد قبل لغة الحروف والكلام.
وداعاً يا أبا أحمد. من غيرك كان يحلو معه اللقاء وتذكر ما مضى من ذكريات عشناها سوياً منذ ما يزيد عن الأربعين عاماً؟ وداعاً يا أبا البنات الرائعات المتعلمات اللواتي يفخر بهن الوطن، وكل أب وأم على مر السنين والأعوام. وداعاً يا من كنت صبوراً محتسباً رغم شدة المرض وقسوة الآلام.
اختارك الله عنده فجراً، في يوم جمعة مباركة ماطرة. فلله الأمر كله، هو خالقنا اللطيف بعباده، ورزقك جنة الفردوس، أرفع وأطهر مقام.
قبّلت جبينك الطاهر يا أبا أحمد، وكانت لحظة صمت تغني عن كل الكلام. نظرت إلى أحبابك الذين جاؤوا ليصلوا عليك ويدعوا لك خاشعين دامعين خلف الإمام. شاهدت الحب في أعينهم وسيرتك العطرة تملأ المكان والزمان، وتتردد بين الألسن في ذلك المقام. فقلت: “الحمد لله، هكذا يعيش ويرحل الصالحون المؤمنون بإذن الله، ويزرعون الحب. هكذا هو لعمري مسك الختام.”
هكذا يرحل المعلم القدير السيد عصام أبو بكر العطاس، الذي كان لا يعرف غير الحب والخير، وليس في قاموسه مفردة تعبر عن الكره أو الخصام. هكذا يرحل الوفي مع جيرانه، المحب لأهله وأقربائه، المتواضع في تعامله، في هدوء وسكينة وتاريخ مشرف وسلام.
ودّعوك طلاب درستهم في مدارس الثغر النموذجية. كانوا صغاراً وأصبحوا اليوم في أرفع مستوى تعليمي ومقام. كانوا يتذكرونك ويثنون على أسلوبك وأنت تشرح لهم الكسور والمعادلات والأرقام. ودعوا لك أيتاماً ومساكين وفقراء كنت ترعاهم وتكفلهم تحت جنح الليل والظلام.
رحمك الله يا سيد عصام وغفر لك، يا صاحب السيرة العطرة التي تعجز عن وصفها الأقلام.
فقدت قبلك زملاء وأصدقاء قريبين على قلبي، لكن فقدك كان أكبر علي يا عصام. حزني على فراقك موجع. غير مصدق أن هذه أصبحت حقيقة قاسية نعيشها اليوم، وليست كابوساً زائراً في المنام.
سافرت معك ومع أهلك إلى دول عديدة. كنت أنا وعائلتي الضيوف، وكنت أنت المضيف وصاحب الفضل والترحيب والاهتمام. كنت تفعل ذلك بحب وكرم وطيبة قلب ليس لها مثيل، ولا حتى في القصص والأفلام.
لم تكن تملك ثروة من المال تجذب الناس إليك، ولكنك كنت تملك ثروة الأخلاق، والروح المحبة للعطاء والتواضع والبذل والإلهام. كنت تملك ذلك السحر الذي يجذب الناس إليك، ويثقون فيك، وفي نبل معدنك، وأصالة منهجك، وصدق حديثك. وهذا فضل من رب العالمين وكرم منه ما بعده إكرام.