شهدت العقود الثلاث الأولى من القرن الميلادي الحالي معارك أدبية شتى، بسبب كثرة الأدباء والمفكرين العرب واختلاف أراءهم وتعدد توجهاتهم في تلك المرحلة، وربما كانت أشهر المعارك تلك التي وقعت قبيل الحرب العالمية الأولى في مصر بين الأديبين الكبيرين عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين، والشاعر الأديب المصري مصطفى الرافعي مؤلف النشيد الوطني لمصر “اسلمي يا مصر”، في الفترة من 1923م وحتى 1936م.
فحسب كتاب ” من روائع الرافعي”، فإن المعركة بدأت شرارتها الأولى مع صدور كتاب مصطفى الرافعي “تاريخ آداب العربية”، والذي أنتقده الدكتور طه حسين في مجلة “الجريدة” عام 1912م، واصفاً إياه بالجمود الفكري، ومؤكداً أنه لم يفهم منه حرفاً واحداً، ثم اتبعه بنفس الرأي في كتاب “حديث القمر”، فرد عليه الرافعي واصفاً أسلوبه بالركاكة والتكرار مشبهاً إياه كأنه “يمضغ الكلام مضغاً”، واشتدت المعركة بينهما اشتعالاً مع صدور كتاب الرافعي الشهير بعنوان “رسائل الأحزان” ، والذي انتقده أيضاً الدكتور طه حسين بشدة قائلاً فيه: “إن كل جملة من جمل هذا الكتاب تبعث في نفسي شعوراً قوياً مؤلماً بأن الكاتب يلدها ولادة وهو يقاسي من هذه الولادة ما تُقاسيه الأم من آلام الوضع”.
ولعل ما أضفى روحاً باردة على تلك المعركة المستعرة ما بدر من الأديب مصطفى الرافعي من فكاهيات في رده على الدكتور طه حسين، حين تحداه بأن يكتب مثل هذه الرسائل خلال ستة وعشرين شهراً، قائلاً له:” لقد كتبت “رسائل الأحزان” في ستة وعشرين يوماً، فأكتب أنت مثلها في ستة وعشرين شهراً، وها أنا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها، وأنت فارغ لذلك العمل، وأنا مشغول بأعمال كثيرة لا تدع لي من النشاط ولا من الوقت إلا قليلا. وها أنا ذا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها، وإن لم يكن الأمر عندك في هذا الأسلوب الشاق عليك إلا ولادةً وآلا ما من آلأم الوضع كما تقول.. فعليَّ نفقات القابلة والطبيبة متى ولدتَ بسلامةِ الله”.
مع الإشارة إلى أن معركة الرافعي مع طه حسين لم تكن مجرد معركة واحدة مع كل منهما، وإنما امتدت لسنوات وشملت مسائل وموضوعات متعددة.
وكان من نتائج تلك المعركة أن أخرج عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين روائع كتبه الإسلامية من أمثال كتاب “على هامش السيرة”، وكتاب “الوعد الحق” وكتاب “الشيخان” وغيرها من كتب ومقالات وروائع طه حسين.
0