المقالات

مصلح العتيبي إرادة تفوقت على التحديات

في قطار الحياة، تتقاطع مساراتنا مع أشخاص يتركون بصمات لا تُمحى، وتبقى ذكرياتهم شاهدة على عمق العلاقات الإنسانية التي نشأت معهم. كانت رحلتي العلمية مع زميلي وأخي مصلح الفرحان إحدى تلك المحطات المضيئة، حيث جمعنا شغف العلم وحب التحدي، رغم العقبات التي واجهها. مصلح، بروحه الطموحة وإرادته الصلبة، علّمنا أن العلاقة بين الإنسان والعلم هي رحلة دائمة، وأن الإرادة الحقيقية لا تعرف حدودًا.

كانت رحلتي مع أخي مصلح العتيبي في مرحلة الماجستير بجامعة أم القرى. كنا نعمل في ورش العمل، وكان مبدعًا في طرحه، متمكنًا في الجانب المهني، ويشارك في المحاضرات بحكم خبرته، رغم إعاقته التي لم تكن عائقًا أمام إبداعه.

بدأنا مرحلة إعداد الخطة البحثية، ولا أنسى العنوان الذي ظل يسعى لحل هذه المشكلة البحثية، وهو: “مدى اعتماد الصحفيين السعوديين على ممارسي العلاقات العامة كمصدر للأخبار بمنطقة مكة المكرمة”، وتم نشر الدراسة في مجلة القاهرة. سألته عن السبب في اختيار العنوان، فأشار إلى أنه طوال السنوات الماضية كان يرى هذه الفجوة البحثية ويسعى لحلها لإثراء المعرفة.

بعد الانتهاء من مرحلة الماجستير، لم يتوقف شغف أخي مصلح بالبحث العلمي. كنا نتواصل للعمل على دراسة أخرى، ومن ثم بدأنا التعاون مع وزارة الثقافة لإعداد دراسة بعنوان: “مدى استخدام العلاقات العامة بوزارة الثقافة السعودية للقوة الناعمة في تعزيز مكانة ونفوذ المملكة العربية السعودية في المجتمع الدولي”. تم نشر الدراسة في مجلة الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- التابعة لوزارة الخارجية. كانت السعادة تغمرنا لهذا الإنجاز العلمي وقبوله في مجلة سعودية حكومية.

ولن أنسى ما قاله لي أخي مصلح: “علينا أن نساهم بهذه الدراسات وننشرها في مجلات سعودية، وأيضًا أن نستمر في الكتابة وعمل الدراسات العلمية التي تثري المعرفة وتخدم الوطن.” كانت اهتماماته العلمية تشمل دراسات القوة الناعمة، وتحليل المضمون، وإبراز الثقافة السعودية من خلال العلاقات العامة. كنا قد خططنا لإعداد دراسة أخرى، ولكن لم تُكتب لنا.

رغم إعاقته، كان ذو عزيمة لا تُقهر. ذكر لي أنه خلال المرحلة الثانوية كان يوفر مصروفه لشراء الصحف وقراءتها، وكان يقول: “يومًا ما سأكون أحد الصحفيين وسيكون اسمي ضمن المحررين.” أخبرني أنه لا يزال يحتفظ بالصحف القديمة.
سعى الفقيد لتحقيق حلمه، وعمل في إحدى الصحف لسنوات، ثم انتقل بعد ذلك إلى وكالة الأنباء السعودية (واس).

لم يتوقف حلمه عند سقف معين. كان يسعى للحصول على درجة الدكتوراه، ومن ضمن الشروط كانت إجادة اللغة الإنجليزية. فالتحق بدورة لاجتياز اختبار الأيلتس في مدينة جدة، وكان يتردد على المركز لتعلم اللغة ويستفيد من توجيهات المدرب.
ويفيد مدرب اللغة الانجليزية حافظ كامل
كانت روحه العالية كنجمة وهبت قوتها للنزول إلى الأرض. كان حبيبًا، ولو انقسمت روحي إلى جسمين لكان جسمها الثاني. كان طيب النفس، تاركًا ميراث مودته. لا أذكر أنني رأيت منه إلا أحسن ما فيه. رحم الله أخي الحبيب، وجمعني وإياه في الآخرة مع الصالحين، وأدخلنا الجنة برحمته. اللهم آمين.

لقد كان مصلح مثالًا يُحتذى به في الأدب والأخلاق السامية، واجتهد بإخلاص في دراسته لمرحلة الماجستير، حيث أظهر تفوقًا علميًا، وساهم بروحه الطيبة وتعاونه الدائم في خلق بيئة دراسية مُثمرة بين زملائه.

إن فقدانه خسارة كبيرة ليس فقط لأسرته وزملائه، بل لنا جميعًا. فقد كان نموذجًا للشاب الطموح الذي جمع بين التفوق العلمي والسمو الأخلاقي.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل مثواه الجنة، وأن يُلهم أهله وأحبته الصبر والسلوان.

سنظل نذكر مصلح بابتسامته الصادقة، وسيرته العطرة، وروحه النقية. رحمك الله يا مصلح، وأسكنك فسيح جناته، وجعل علمك وأثره في زملائك صدقة جارية لك.

نأمل من وزارة الإعلام ووزارة الثقافة تكريم ذويه نظير جهوده المهنية والعلمية.

وهكذا انتهت رحلتي العلمية مع أخي مصلح. رحمك الله يا أخي، وأسكنك فسيح جناته.

صالح عبدالحفيظ

ماجستير في العلاقات العامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى