المقالات

طاغية العصر

قال أدولف هتلر: “لن أرحم الضعفاء حتى يصبحوا أقوياء.” هذه العبارة تمثل فلسفة القوة التي حكمت عقول الطغاة على مرّ التاريخ. فالضعف، في نظرهم، هو عذر للظلم والاستعباد، والقوة وحدها هي السبيل لإثبات الوجود.

التاريخ والواقع يؤكدان هذه المقولة؛ فدائمًا ما نجد أن الأقوياء لا يرحمون الضعفاء، إلا إذا امتلك هؤلاء الضعفاء من القوة والمنعة ما يدفع عنهم الظلم والاستعباد. لكن القرآن الكريم قدّم نموذجًا مختلفًا عن مقولة هتلر، نموذجًا يتجاوز فلسفة القوة الجائرة إلى إرادة إلهية تحقق العدل وتنصر المظلومين.

طغيان فرعون وعلوّه وجبروته لم ينفعه. قال الله تعالى: “إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ”
فجمع بين صفتي العلو والفساد، وحكم بالظلم والطغيان. لم يكتفِ بالاستضعاف، بل عمد إلى قتل الأبناء واستحياء النساء خوفًا على عرشه من نبي بني إسرائيل.

قال ابن كثير:
“وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، وقد سلط الله عليهم هذا الملك الجبار العنيد، يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدّهم ليلًا ونهارًا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم.”

القرآن الكريم يقدم لنا رؤية عميقة تبين أن القوة التي تعتمد على الظلم والفساد مصيرها الهلاك، أما المستضعفون الذين يصبرون على المحن فإن الله يرفعهم ويمكنهم في الأرض. قال تعالى:
“وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ”

وقد قدّم الله الإمامة على التمكين والاستخلاف في الأرض، لأنهما ثمرة الرجوع إلى الله والتمسك بشرعه. فهذه الآية تحمل رسالة أمل لكل مستضعف في الأرض: أن كل سفك للدماء يعقبه نصر وتمكين.

قال تعالى: “وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ”
وها نحن الآن نشاهد نموذجًا مماثلًا للطغاة ومصيرهم. طاغية الشام الذي حول سوريا إلى ساحة قهر ومعاناة لا تختلف في جوهرها عما فعله فرعون. فاستبداده وجبروته أفضيا إلى قتل الأبرياء وتشريد الملايين، في محاولة للحفاظ على عرشه، تماماً كما حاول الطغاة قبله.

وعلى كل حال، فإن تاريخ الأرض يشهد صراعات يُستضعف فيها أقوام ويطغى فيها آخرون، لكن العاقبة للمتقين.

همزة وصل:
“أهلاً بالعالم في أرض الأمان.”

د. حسن العرياني

أكاديمي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى