الوالدان ليسا مجرد ذكر وأنثى في حياة الإنسان، ولو حاولنا تقريب المعنى، لقلنا إن العلاقة بينهما وبين أبنائهما ليست كالأخ والأخت، بل أعمق وأكبر من ذلك بكثير، فهي كما بين السماء والأرض في مدى الحب والحنان. ولو تأملنا عظمة الخالق سبحانه وتعالى لعلمنا أنه قادر على خلق الإنسان دون الحاجة إلى وجود والدين، فهو القادر على كل شيء، القادر على خلق العظام وهي رميم.
إذا تدبرنا في سر وجود الوالدين في حياتنا، لوجدنا أنهما من أعظم نعم الله عز وجل على عباده، بل وحتى على الحيوانات. وجود الأب والأم ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل هو رحمة إلهية وهبة عظيمة تسكن قلب كل كائن حي.
حين تأملت في سر وجود الأب والأم، شعرت بالرحمة والتقدير والحب الكبير الذي أودعه الله في قلوبهم تجاه أبنائهم. الوالدان هما مصدر الرحمة والحنان والرعاية في الدنيا، والله سبحانه وتعالى هو الحنّان المنان الرحيم الرحمن في الآخرة. وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أرحم بعباده من الأم بولدها، مما يعكس عمق هذه الرحمة الإلهية.
مهما كانت صلة القرابة بين الناس، لن تصل إلى مستوى الحب والرعاية التي يمنحها الوالدان. هما منبع الحب والحنان، يحملان في قلبيهما مسؤولية إنسانية قذفها الله فيهما، فلا يستطيعان التخلي عنها أو التخلص منها. حتى لو كان أحد الوالدين غائبًا، يبقى الآخر مستمرًا في أداء دوره بحب وإخلاص، لأنه شعور فطري أودعه الله فيهما تجاه أبنائهما.
يجب أن نستشعر نعمة وجود الوالدين في حياتنا، وأن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة. فقد أغنانا الله بوجودهما، وجعل حبهما وعطفهما معينًا لا ينضب. ولهذا، عندما نفقدهما، تموت في داخلنا مشاعر كثيرة، ونشعر أن الحياة قد فقدت بريقها.
ختامًا
وأمام هذه النعمة الكبيرة والعظيمة، واستشعارًا لدور الوالدين في حياتنا، أمرنا الله عز وجل ببرهما والإحسان إليهما، تقديرًا لما يقدمانه من تضحيات وهموم وتحمل المشقة من أجل أبنائهما. بر الوالدين هو أقل ما يمكن أن نقدمه لهما نظير ما بذلاه من تعب وسهر ورعاية، وهو باب من أبواب الجنة لمن التزم به وأداه بإخلاص ووفاء. فلنحرص جميعًا على برهما وطلب رضاهما، فهو الطريق إلى رضا الله سبحانه وتعالى وسعادة الدارين. فلنحرص على بر الوالدين، ولنقدر وجودهما في حياتنا وبعد موتهما، ولنحمد الله على هذه النعمة، فهما الجسر الذي يقودنا إلى السعادة في الدنيا وإلى رضا الله في الآخرة.