(مستلهمة من قصة أ. خلف القرشي بعنوان: لماذا؟)
لم يعد في الحياة ما يغري أو يثير أو يبهج، كل شيء صار مكرورا وممِلّا.
زوجه التي لم تكن تغيب عن ناظريه فور دخوله البيت لم يعد يراها إلا مشغولة عنه بشيء ما في البيت، دائما ما تجد شيئا تتشاغل به عنه، فإن سلّم عليها أو تنحنح واجهته بنظرة حادّة تستنكر أو تستكثر عليه ما يفعل. لا تنطق بشيء؛ لكنه يسمعها تقول بوضوح:
– قد علمنا أنك عدت؛ فهل يجب علينا أن نحتفل؟
جاره الذي لم يكن يصادفه خارجا من البيت مثله إلا وابتدره وحياه لم يعد يصادفه الآن، فإن صادفه نادرا حيّاه بإيماءة رأس ومضى. يعترض طريقه قبل أن يتراجع قائلا بخفوت في أعماق نفسه :
– ما حقيقة هذه الإيماءة الخاطفة؟ أهي تعني أني رأيتك ومللت منك ولن أكلّف نفسي إلقاء تحية عليك؟
جيرانه الذين يلتقي بهم في المسجد ويقدّمونه عليهم ليأتمّ بهم إن تغيب إمامهم لم يعودوا يحفلون به. سواء حضر الإمام أو لم يحضر؛ تقدم أحدهم وصلى بهم، ما عادوا يرونه ولا يرون أهمية لأن يأتمّوا به في غيبة الإمام.
عامل النظافة الذي اعتاد إلقاء التحية عليه كلما مرّ به في طريقه إلى البقالة لم يعد يبادره بالتحية كما كان يفعل؛ فإن بادر هو الآن شعر أن العامل يتكلّف رد التحية عليه بمثلها أو أقل.
صاحب البقالة الذي كان يهشّ له في وجهه كلما دخل عليه لم يعد يرى في وجهه أثر ابتسام أو طيف اهتمام بدخوله عليه مهما أمعن في تأمّل وجهه وأطال النظر إليه:
– هل ترى شيئا في وجهي؟
– عفوا آسف، لم أقصد.
– لم تقصد ماذا؟
– !!!
يسرع بالخروج دون أن يشتري.
زملاؤه في العمل الذين لم يكن يحلوا لهم أن يفطروا إلا معه بصحبة نكاته الطريفة وحديثه الشيّق الماتع لم يعودوا ينتظرونه؛ فضلا عن أن يدعوه إلى الإفطار معهم، فإن دعا نفسه وانضمّ إليهم شعر أنهم يزدردون طعامهم كي ينتهوا منه بسرعة ويختفوا.
قرّاؤه المتكاثرون الذين اعتادوا على دغدغة مشاعره بتعليقاتهم واستحسانهم لكل ما يكتبه وينشره بينهم لم يعودوا يرتضون أن يتصدّقوا عليه بأيقونة إعجاب أو حتى استهجان:
– هل يقرأون لي أصلا؟
مغسّله الذي تولّى تجهيز جنازته هرول خارجا من حجرة الغسيل صارخًا:
– أين اختفى ميتكم؟
لم يسمعه أحد، لم يكن هناك من ينتظره.