تعد الجودة جزءًا مهمًا من الحضارة الإسلامية. فمنذ ما يقارب 1500 عام، كان ولا يزال العمل المتقن هو طريق الفلاح والنجاح، بل والازدهار والتنمية. فبدون الإتقان، يبقى العمل بعيدًا عما هو مرغوب فيه ويتم رفضه. الجودة الحقيقية في الإسلام تعبر عن معانٍ كبيرة، إذ تنطوي على مجموعة أوسع من القيم التي تتجاوز مجرد نظام القياس والمعايير.
في القرن التاسع عشر، أدرك الفكر البشري الطبيعة الفريدة للإدارة كظاهرة مستقلة عن منظور الأعمال التقليدية، ليشمل هذا المفهوم جميع جوانب إنتاج منتج وخدمة نهائية مرضية.
الجودة في الإسلام لا تعني الإتقان والإحسان في العمل فحسب، بل هي من القيم الأساسية التي يحث عليها الدين الإسلامي، وتشمل جميع جوانب الحياة سواء في العبادة أو التعاملات اليومية أو العمل. ففي القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي تحث على الإتقان والإحسان، مثل قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (البقرة: 195). كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
الجودة في الإسلام ليست مجرد أداء العمل بشكل متقن، بل تشمل النية الصادقة والإخلاص، والحرص على تحقيق أفضل النتائج بما يرضي الله سبحانه وتعالى ويخدم الإنسانية. إذا كان الإسلام يعتبر العمل عبادة شريطة أن تكون النية صادقة والإخلاص موجودًا، ففي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية الإتقان في العمل وأداء المهام بأفضل طريقة ممكنة.
كلمات مثل “الإحسان” و”الإتقان” في الدين الإسلامي تشير إلى الشغف، التميز، الخير، التقييم الذاتي المستمر، وكل ما يؤدي لتحقيقهما. الإتقان يعني الخير، ويدل على مستوى جودة العمل، كما يشمل ترتيب الأشياء وتنظيمها بمهارة لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
الإسلام يعزز مبادئ وقيم الجودة مثل حب العمل وإتمامه بشكل صحيح، والاختبار والتقييم، والعمل الجماعي، والالتزام والفعالية، والتحسين المستمر. علاوة على ذلك، يؤكد الإسلام بشدة على أهمية الجودة في حياتنا اليومية، بما في ذلك الأعمال وإدارتها، حيث يشجع على أن يكون اليوم أفضل من الأمس، وأن يكون الغد أفضل من اليوم، مما يعكس مفهوم التحسين المستمر الذي تردده جميع مفاهيم الجودة.
مفهوم الجودة لا يقتصر على إشباع احتياجات العملاء فقط، بل يمكن القول إن “جودة المنتج أو الخدمة” تعني مدى احتوائها على الخصائص التي تتيح للعميل استخدامها وتلبي احتياجاته. لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر الإتقان والجودة في العمل.
سمات الجودة تشمل الإخلاص في النية، أي أن يكون الهدف من العمل هو رضا الله وخدمة الإنسانية، والإتقان في الأداء لتحقيق أفضل النتائج والحرص على التفاصيل، والالتزام بالمواعيد احترامًا للوقت، والتطوير والتحسين المستمر من خلال السعي لتحسين المهارات والمعرفة باستمرار.
في القرآن الكريم، نجد قوله تعالى: “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا” (طه: 114)، مما يشير إلى أهمية السعي لزيادة المعرفة والتعلم المستمر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة”. التطوير والتحسين المستمر في الإسلام يشمل جميع مناحي الحياة، بما في ذلك التعلم المستمر، والتفكر والتدبر لفهم الأمور بشكل أفضل، والإحسان في العمل لتحقيق أفضل النتائج، والتطوير الذاتي لتحسين الذات من خلال الأخلاق والقيم الإسلامية.
مدرسة الجودة في الإسلام تعتمد على مبادئ مستمدة من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، وتهدف إلى تحقيق أعلى درجات الإتقان والكمال في الحياة اليومية. فمن لم يكن له في بدايته احتراق، لم يكن له في نهايته إشراق. والعمل بلا نية عناء، والنية بلا إخلاص رياء. هذه الأقوال تذكرنا بأهمية الإتقان والإخلاص في العمل لتحقيق الجودة والنجاح.