تجارب الفشل، في منظور العقلاء، هي ذاتها بذور النجاح وأساسه، حيث تنص هذه المقولة على أن “تجارب الفشل هي ذاتها بذور النجاح”، مما يعني وجوب الاستفادة من تجارب الفشل التي حدثت لتحقيق النجاح المنشود. فمن سلك طريقًا لم يوصله إلى الهدف عليه أن يغيّر الطريق، ومن سقط في حفرة عند أول مرور بها عليه أن يتفادى السقوط مرة أخرى، وهكذا.
غير أن هذه القاعدة لا تنطبق على اتحاد كرة القدم السعودي، حيث يبدو الفشل متكررًا لذاته، دون أن يتجاوز حدوده أو يُوظّف بشكل إيجابي للاستفادة منه. فبدلًا من أن نكون في القمة، كما كنا سابقًا، نقود الناجحين ونتربع على عرش منتخبات القارة الآسيوية، أصبحنا نلاحق الفاشلين ونضاهي فشلهم، وكأن ذلك غاية ومبتغى.
باتت لغة مسؤولي الاتحاد عند مواجهة الجمهور السعودي المخلص هي المواساة غير المجدية، بعبارات مثل: “لسنا وحدنا في الفشل، هناك أيضًا من فشلوا”. صحيح أن كرة القدم لعبة تتأرجح بين الكسب والخسارة، وتخضع أحيانًا لعوامل الحظ، لكنها تظل تمثل واجهة الرياضة السعودية ومصدر فخرها. والمشكلة تكمن في أن المملكة العربية السعودية، التي تقدمت في جميع المجالات والقطاعات نحو المنافسة العالمية، عادت بكرة القدم الممثلة في المنتخب الوطني خمسين عامًا إلى الوراء، لتبقى عالقة في سلم البدايات دون أي تقدم يُذكر.
ربما إذا أردنا تحقيق مركز جيد، سيكون علينا إقامة بطولة البحر الأحمر، ودعوة منتخبات مثل اليمن، والسودان، والصومال، والحبشة، لعلنا نحصد المركز الثاني أو الثالث. هذه هي حقيقة مستوى المنتخب السعودي اليوم، وهي حقيقة مُرّة لا بد أن تتغير. لذلك، يجب أن يتوقف هذا الفشل الذريع، وتبدأ خطوات تصحيحية عاجلة تعيد للمنتخب الوطني هيبته.
يجب إعادة هيكلة اتحاد كرة القدم السعودي بشكل جذري، والاستفادة من خبرات اللاعبين السابقين في إدارته، فهم الأقدر على فهم طبيعة اللعبة ومتطلباتها، لما يمتلكونه من خبرة ميدانية وشخصيات قيادية، بالإضافة إلى مؤهلاتهم العلمية. كما يجب إعادة النظر في هيكلة الدوري السعودي ليصبح مصدرًا فعالًا لدعم المنتخب الوطني ومدّه باللاعبين المهرة كما كان الحال في عصر الهواة.
الرعاية والاهتمام باللاعب الوطني يجب أن تكون أولوية قصوى، عبر تطوير مهاراته وقدراته ليكون قادرًا على تمثيل المنتخب بصورة مشرفة. ويمكن تحقيق ذلك إما بتقليل عدد اللاعبين الأجانب في الدوري، أو بتخصيص فرق من لاعبين وطنيين فقط لخوض منافسات داخلية تُسهم في صقل مهاراتهم.
الإعلام الرياضي أيضًا يحتاج إلى ضوابط صارمة. يجب منع التعصب الرياضي الذي يسيطر على النقاشات حول المنتخب، ووقف التراشق الإعلامي بين أنصار الفرق، إذ لم نجنِ من هذا التعصب سوى الشتات والضياع، مما انعكس على أداء اللاعبين داخل الملعب. لقد رأينا في النتائج الأخيرة كيف أصبح المنتخب السعودي يقدم أداءً هزيلًا أمام فرق كانت تطمح فقط في تقليل عدد الأهداف التي تتلقاها.
إن إصلاح منظومة كرة القدم السعودية ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية تستدعي قرارات حازمة وجهودًا مخلصة تضع مصلحة المنتخب والرياضة السعودية فوق كل اعتبار.