المقالات

من وحي معارض الكتاب

تحتل المعارض حيزًا كبيرًا من اهتمامات وزارة الثقافة منذ انضواء معارض الكتب تحت مظلتها عام 2020، فباتت المعارض أعراسًا ثقافية ينتظرها الجمهور بفارغ الصبر، وواكب هذا الاهتمام وتلك الرعاية زيادة ملحوظة في الوعي الثقافي لدى الناس، فباتت المعارض أعراسًا ثقافية ينتظرها الجمهور بفارغ الصبر، وواكب هذا الاهتمام وتلك الرعاية زيادة ملحوظة في الوعي الثقافي لدى الناس، وهو ما أمكن ملاحظته من خلال تأصيل الهوية الثقافية لدى الفرد السعودي. وهنالك بلا شك إقبال ملحوظ على القراءة واقتناء الكتب، لكنه حتى الآن لا يرقى إلى المستوى المنشود. فرغم الازدحام والإقبال الشديد للزوار الذين يقصدون معارض الكتاب، ورغم أن الكتاب مازال المورد الأساس للثقافة والمعلوماتية، ورغم أن منصات التوقيع في معرضي الرياض وجدة للكتاب أتاحت للجمهور الحصول على الكتاب من قبل المؤلف بالمجان، إلا أنه مع الأسف الشديد لم يكن هناك إقبال على اقتناء الكتاب من قبل الجمهور بشكل مرضي، وربما أن من بين أسباب هذا العزوف تدني مستوى العديد من الكتب، حيث أصبح هم الناشر الربح دون الالتفاف إلى المحتوى والمضمون. وهو ما شكل ظاهرة تستحق العناية والاهتمام. ولا تقتصر هذه الظاهرة على بلادنا، فقد لاحظت أن المثل يحدث في معارض الكتاب في الدول العربية الأخرى، وإذا كان البعض يرى في أسباب تفاقم هذه الظاهرة طغيان الإنترنت كمصدر مهم في الحصول على المعلومة، فإن ذلك لا ينطبق على دول الغرب وغالبية دول جنوب شرق آسيا، بل انك إلى هذا الحين تعجب عندما ترى أن غالبية الناس في تلك البلاد في استخدامهم لمركبات وسائل النقل العام ينهمكون في القراءة وهم وقوفًا أو جلوسًا في تلك المركبات، وأن قراءة الكتب خلال تنقلهم يستثمرونه في تنمية معرفتهم وصقل معلوماتهم حتى سادت تلك العبارة التي يرددها العديد من أولئك الناس: “أنت تساوي في قيمتك ما تعرفه”،
لكن بالرغم من كل ما سبق، تظل معارض الكتاب من أبرز الفعاليات الثقافية التي تحدث في المعرفة والأدب، وتعتبر بمثابة نوافذ ثقافية مفتوحة يطل منها القارئ على عالم الكتب الزاخر بالمعرفة والمعلوماتية، كما تعتبر تلك المعارض ملتقى يجمع بين المؤلف والناشر والناقد والمترجم ودار النشر تحت سقف واحد، إضافة إلى كونها ساحة للحوار الثقافي الذي يجمع أطياف المجتمع. أيضًا تعتبر معارض الكتاب مصدر إلهام من خلال المشاركات في الندوات والمحاضرات والحلقات النقاشية.
السؤال المهم الذي يفرض نفسه في هذا المقام: كيف يمكن معالجة ظاهرة العزوف عن القراءة ؟ وكيف نشجع الناس على القراءة لتصبح عادة أصيلة محببة لدى الجميع؟
في البدء ينبغي التأكيد على أن القراءة كمصدر هام للمعرفة هي مفتاح تطور المجتمع وارتقاء مستواه المعرفي والحضاري، وهي أيضًا ركيزة هامة لبناء المجتمعات المتقدمة, وعند البعض فإن القراءة تعتبر أحد المقاييس الهامة في قياس تقدم المجتمعات ورقيها. وينبغي أن لا نغفل عن الدور الحيوي الذي تلعبه القراءة في تكوين شخصية الفرد، وصقل هويته الفكرية والثقافية. ومن غير المصادفة أيضًا القول أن البلدان التي تتمتع بدرجة عالية من الإلمام بالقراءة ترى مزايا ضخمة من الناحية الاقتصادية.
في إجابتنا على هذا السؤال ينبغي في البدء الإشارة إلى أهمية إقامة المعارض لتوفير وإعداد وتنمية البيئة التي تجعل الناس يقبلون على القراءة ويقتنون الكتاب، على أن تعرض الكتب في تلك المعارض بأسعار مخفضة، ويتم إعفائها من الضريبة. كما لابد من أن تشكل وزارة الثقافة لجنة لتقييم الكتب على نحو ما تفعله “جوجول”. ومن الأهمية بمكان أن تقوم وزارة الثقافة بتشديد الرقابة على دور النشر، ويا حبذا لو قامت ممثلة في هيئة المكتبات لتسيير قوافل لمعارض الكتب المتنقلة عبر المناطق والمحافظات في سيارات تجوب الأحياء وتقف عند المتنزهات، وإنشاء مكتبة عامة في كل حي لتعزيز هواية القراءة لدى النشء والكبار، والحرص على وجود مكتبة في كافة المدارس بمختلف مراحل التعليم يتم تزويدها بالكتب ذاتيًا، أي من قبل الطلبة والطالبات، وإقامة مسابقات ثقافية لقراءة الكتب في مدارس التعليم العام، ومسابقات كبرى مثل “تحدي القراءة” التي تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة لتشجيع القراءة لدى النشء.. وكذلك إقامة معرض مصغر دائم للكتب في المدن، ومعرض سنوي لكتب الأطفال على شاكلة التجربة المعمول بها في الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.. وأرى أن إقامة أكشاك قراءة في الحدائق العامة بواجهات زجاجية تتيح للأطفال القراءة إلى جانب اللعب، وتتيح أيًضا لأهليهم مشاركتهم القراءة، وسيكون من الأفضل تزويد هذه الأكشاك بكاميرات مراقبة تغطي كافة الأكشاك الموجودة في حدائق الأحياء.
كما أعتقد أن الوقت قد حان كي تدعم وزارة الثقافة المؤلف، وأن تعتمد “العقد الموحد” بين المؤلف ودار النشر الذي يتيح حقوقًا متساوية للطرفين، وأن تعمل دور النشر – في ذات الوقت- على الحرص على اختيار موظفيها وأن يكون الشرط الأول لتوظيفهم أن يكونوا مثقفين. كما أتمنى إعادة التفكير في إهداء المؤلف لكتبه بالمجان من على منصات التوقيع، ولا ينبغي أن يكون المؤلف الخاسر الأكبر من تأليف كتابه!.
كلي ثقة وأمل في استجابة وزارة الثقافة والجهات المعنية لتحقيق هذه المطالب التي من شأنها الارتقاء بمجتمعنا العربي السعودي ثقافيًا ومعلوماتيًا إلى أرقى المستويات في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لتحقيق كل ما من شأنه نقل بلادنا العزيزة إلى مصاف الدول الأكثر تقدمًا في العالم.

د. سونيا أحمد مالكي

طبيبة - مديرة إدارة الصحة المدرسية بتعليم جدة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى