في ظل التطور التكنولوجي الهائل وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، أصبح تطبيق “واتس آب” من أهم الوسائل التي يعتمد عليها الأفراد للتواصل الاجتماعي ، سواء للأغراض الشخصية أو العملية. ومع تزايد أعداد المستخدمين ، ظهرت ظاهرة لافتة تتمثل في انضمام بعض الأفراد إلى عشرات القروبات ، لدرجة أن عدد القروبات قد يصل إلى خمسين قروبًا أو أكثر لدى الشخص الواحد ، وانا احدهم. لذا ، يجد هؤلاء الأفراد أنفسهم أمام تحدٍ كبير يتمثل في صعوبة التفاعل المستمر مع جميع القروبات ، مما يضعهم تحت ضغط نفسي وزمني. فالمشاركة في القروبات كما تعرفون تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين ، سواء من حيث قراءة الرسائل ، أو الرد عليها ، أو المساهمة بأفكار ومقترحات تضيف قيمة إلى النقاشات. ومع ذلك ، قد يواجه هؤلاء الأفراد اتهامات بالسلبية من قبل أعضاء القروبات الذين ينشدون تفاعلًا أكبر ، معتبرين أن المشاركة الضعيفة هي نوع من الإهمال أو عدم الاكتراث.
ينشأ عن هذه الظاهرة بطبيعة الحال ضغط اجتماعي كبير على صاحب القروبات ، الذي يحاول جاهدًا إرضاء الجميع . فهو يدرك أن الحضور السلبي في القروب قد يُفهم على أنه تقصير في حق الأعضاء الآخرين. وقد يصل الأمر إلى استنزاف طاقته ومحاولته تقسيم وقته بين القروبات المختلفة على حساب حياته الشخصية والمهنية.
اقترح للتعامل مع هذه الظاهرة ، ان يعيد الأفراد النظر في أولوياتهم . فليس من الضروري الانضمام إلى عشرات القروبات إذا كان ذلك يتجاوز قدرتهم على التفاعل الحقيقي والفعّال. حيث يمكن الاكتفاء بالقروبات التي تحمل قيمة فعلية ، وإضافة نوعية ، سواء على المستوى الاجتماعي أو المهني ، والتركيز على جودة التفاعل بدلاً من مجرد التواجد. كما أن الأعضاء في القروبات مطالبون ايضا بالتفهم والتقدير. فالحياة مليئة بالمسؤوليات ، وقد لا يكون لدى الجميع الوقت أو القدرة على التفاعل المستمر . وبالتالي، ينبغي أن تسود ثقافة الاحترام والتسامح داخل القروبات بدلاً من الضغط أو النقد المستمر.
ختامًا: اقول بإن ظاهرة كثرة القروبات على واتس آب تسلط الضوء على جانب مهم من ثقافة التواصل الرقمي الحديثة ، حيث يختلط التفاعل الحقيقي بالمجاملة الاجتماعية . ومع ذلك، فإن التوازن هو المفتاح لتجنب الإرهاق الرقمي والمحافظة على علاقات إيجابية مع الآخرين دون أن تكون على حساب رفاهية الفرد الشخصية.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود