ذلك المتشدق- من القلة- الذي كان يتقمص، أو يتحدث أمام متابعيه أو محبيه في عام تفاصيله أو بعض أجزائها في شؤون الحياة المختلفة من نصيحة أو عبرة أو موعظة إلى الفتوى في بعض الأحيان ويكسو كل ذلك بكثير من الحرقة والألم والدهشة والحيرة إلى حد تلك الدموع الطبيعية أو المصطنعة لا فرق بينهما فيشعرك أنه من حراس الدين، أو قل إن صح التعبير من حراس الفضيلة، وأنه هو الموكل في الاطلاع على أحوال الناس ومعرفتها وتوصيفها وأنه يريد للجميع الخير ولا غير الخير فينجرف بعض المتأثرين البسطاء إلى حديثه الحماسي بل في الواقع إلى سلوكه المصطنع فيصبح في نظرهم هو القدوة الحسنة ونسوا من هو القدوة الأساس على مر الأزمان وحتّى يرث الله الأرض ومن عليها ..! و على أي حال وفي أول فرصة لمعانقة القفزة المادية المرجوة يتبدل في سلوكه، وفي مظهره، وفي أحاديثه، وفي كل أحواله ويصبح إنساناً آخرًا ولا علاقة له بكل ما مضى إلى حد النكران والاستغراب ..! إنها الانتكاسة أيها العقلاء نسأل الله السلامة والعافية.
وذلك الذي ولد ونشأ على تراب وطنه الطاهر والذي لا يعرف ولم يعرف غيره في بدايات حياته البسيطة فبدأ أول خطواته الحياتية في دور العلم؛ لينهل من المعارف والعلوم والمهارات على أيدي من علموه منذ صغره على كل فضيلة ومنها فضيلة حب الوطن والمحافظة عليه ليل نهار من أعداء الحاضر والمستقبل ..! كما علموه أن كل شيء يُفقد ويعوض إلا الوطن إذا فُقد فلن يعوض أبدًا، ثمّ تقدم خطوة أخرى وحقق أمله في الانضمام لأحد قلاع العلم العليا وأصبح ممن حاز على مجمل العلوم الراقية مع أقرانه، وتلاها بالخطوة الأهم فحاز على مكان ملائم في مجتمعه التعليمي وعلى قدر طموحه وآماله البعيدة وغدى من أهل الخبرات بعد الاستفادة من معطيات الآخرين. وفجأة يتنكر لوطنه وينسي كل خيراته فأصبح وأمسى في عداء لوطنه الذي لا ذنب له في جرم ذلك الجاحد اللئيم فلم يجد فرصة إلا وشتم وذم بعدما كذب حتى الفجور وكأنه لم يكن يوماً من أبناء الوطن المبارك إنها الانتكاسة أيها الأوفياء نسأل الله السلامة والعافية.
وذلك الإنسان الذي تغير في كل مبادئه وجميع قيمه فأصبح لا يؤمن بمبدأ، ولا يعترف بقيم، وأضحى لا يذكر لأهل الفضل فضلهم فيما صنعوه، ولا يتذكر من معروف الفضلاء فيما قدموه وأصبح ينطبق عليه بطبيعة الحال بيت الشعر العربي للشاعر أبو الطيب المتنبي: (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا). فهو أناني، ومتجرد من إنسانيته فلا يعرف من هذه الدنيا إلا مصالحه، ومصالحه الشخصية فقط، ويضع كل رغباته الخاصة فوق رغبات الآخرين مهما كانت الظروف، ولا يدرك أن هناك أجرً عظيم بين الخلق يكافئ عليه الخالق، ولا يفهم أن هناك معروف بين الناس يعطي الأمل ويمنح السعادة فيما بينهم، وأنه كلما كان المعروف بين الناس سارياً ومستمراً كلما كانت الحياة أجمل في ثناياها، وأنه لا يدوم إلا الذكر الحسن فالكريم يرحل وتبقى سيرته الحسنة، واللئيم يرحل وتبقى سيرته السيئة. ولكنها الانتكاسة لكل إنسان جاحد نسأل الله السلامة والعافية.