كتبت قبل أيام عن تجربتي مع أستاذتي في مرحلة الدكتوراه بجامعة ويلز البريطانية، البروفيسورة سيلفيا لوتكنز، التي تجاوزت المئة عام ولا تزال تعطي محاضرة أسبوعية لطلبة الدراسات العليا. وأشرت في المقال إلى أهمية الخبرة والمعرفة المتراكمة لأعضاء هيئة التدريس، وضرورة استثمارها لتحقيق النهضة العلمية والبحثية.
ما أثار دهشتي هو التفاعل الكبير الذي لاقاه المقال من أساتذة جامعات أُحيلوا إلى التقاعد رغم كونهم في قمة عطائهم العلمي. بعضهم استعاد ذكرياته مع أساتذة لا يزالون مرتبطين بجامعاتهم، يدرّسون، يشرفون، ويشاركون في الملتقيات العلمية.
أحدهم، أستاذ في كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، أشار إلى تجربة أستاذ البلاغة والعالم اللغوي الدكتور محمد حسنيين أبو موسى، الذي غادر جامعة أم القرى بعد تجاوزه السبعين، لكن جامعته الأم، جامعة الأزهر، استقبلته مجددًا، واحتفظت به كأحد أعمدتها للاستفادة من خبرته. هذه التجربة تؤكد أن قيمة الجامعات تقاس بعلمائها وجودة أبحاثها، وأن التفريط بالكفاءات المتميزة إهدار للكوادر الوطنية وضياع للخبرات المتراكمة.
إن إعادة النظر في نظام التقاعد واستثمار خبرات الأساتذة المتقاعدين في التدريس والإشراف والبحث العلمي يمكن أن يرفع من تصنيف الجامعات الأكاديمي، ويعزز مكانتها عالميًا.
أرجو من القائمين على شؤون الجامعات أن ينظروا بجدية في إعادة توظيف هذه الكفاءات بما يحقق الرفعة والمكانة العلمية للوطن على المستويات الإقليمية والعالمية.