المقالات

انتكاسة (2-2)

تلك المرأة التي أرادت عمدًا، وبكل أسف، نهاية حزينة لرباط مقدس دام لعقد أو لعقود، مضت فيها لحظات جميلة، وحتى بعض منغصات الحياة. وهذا بطبيعة الحال هو واقع الحياة، بما تحمله من الألم والأمل، ومن المرّ والحلو. يمضي كل ذلك بسلام واطمئنان وهدوء بين زوجين محبين لبعضهما. فلا غرابة في ذلك.

لكن تمضي تلك المرأة المخيبة للظن بعدما اعتمدت على مواردها الوظيفية، وكأن الوظيفة أصبحت عقوبة حاضرة في أي وقت في ثنايا العلاقات الزوجية، أو لنقل – إن جاز التعبير – قنبلة موقوتة لحياة بُنيت على المحبة والعطف والمودة والرحمة.

ولكن… ويا ليت هناك ما يستلزم الانفصال من ضرورة ماسة، أو حاجة ملحة، لهان الأمر كثيرًا! لكن الحجة جاءت تافهة، تقول مفرداتها السخيفة: “أريد أن ألحق عمري!”. ولحاق العمر هنا… إلى أين؟! وأي عمر يُلحق بلا شريك؟ وأي حرية شخصية يمكن أن تكون؟! إنها الانتكاسة، أيها الأفاضل. نسأل الله السلامة والعافية.

وذلك القريب المشهود له بالأمانة وأداء الصلاة المفروضة جماعة في بيوت الله. استأمنه قريبه على مبلغ من المال لفائدة مشتركة بينهما ولأجل محدد. ومن حسن ظن الأول بالثاني، استلم المبلغ بطريقة نظامية عبر أحد المصارف. وبعد فترة من الزمن، أعاد القريب الأول المبلغ المستحق مع أرباحه المخصصة، ولكن للأسف سلّمه له يدًا بيد.

وفجأة، أنكر المستلم ما استلمه. كانت المسألة في بدايتها كأنها طرفة سخيفة لا يتقبلها أي شخص، ولا حتى من باب المزاح. لكنها لم تكن كذلك، إذ أصبحت قضية منظورة أمام القاضي، الذي يحكم بما هو ظاهر أمامه، فالخفايا لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

حلف المستفيد على كتاب الله أنه لم يستلم ريالًا واحدًا، لا عبر مصرف، ولا وجهًا لوجه، ولا حتى من خلال وسيط. فصدر الحكم واجب النفاذ في مهلة زمنية محدودة. ولكن أين سيذهب من دعاء المظلوم في الدنيا قبل الآخرة؟! إنها الانتكاسة، أيها المخلصون. نسأل الله السلامة والعافية.

وذلك الشريك الفاضل، الذي وجد شريكًا أحسن الظن فيه. تعاهدا على الشراكة الصادقة في كل أعمالهما، وعلى أن الله ثالثهما والشاهد عليهما. بدأت شراكتهما برزق مأمول، وتحققت النتائج المرجوة بعد وقت قصير من الاجتهاد والصبر والمثابرة.

تنامت الأعمال، وقفزت الأرباح بشكل كبير ومفاجئ، فمن المؤكد أن الله يرزق من يشاء بغير حساب. لكن في لحظة عابرة – وكأنها لحظة غدر وخيانة، لحظة طمع وتجرد من الإنسانية – تغير كل شيء. سيطر الشريك الآخر على المكاسب المالية والمكانة الاجتماعية. ولوجود الثقة المفرطة مسبقًا، ذهب كل شيء باسمه وكأن العهد لم يكن، وكأن الوفاء لم يُنقش.

نسي الموعد مع العزيز الجبار، العدل، في يوم تشخص فيه الأبصار! إنها الانتكاسة، أيها الشركاء. نسأل الله السلامة والعافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى