المقالات

المعارك الوهمية!!

“ليس الغبي بسيد في قومه… لكن سيد قومه المتغابي.”
البيت السابق قاله الشاعر الكبير أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، أحد أمراء البيان، ومن أوائل الشعراء الذين ساروا في ركاب التجديد في العصر العباسي. وهذا البيت يعبر عن أهمية التغابي والترفع والتغافل عن التفاهات التي تصادفنا من بعض الأشخاص التافهين، والتي قد تسبب الحقد والكراهية.

وفي نفس السياق، قال رابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي، الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: “إن تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.” فالتغافل فن من فنون الحياة، ويجب أن يُعلَّم كمهارة حياتية مفيدة للفرد في المدارس. فالمتغافل إنسان مرتاح نفسيًا ومريح لمن حوله.

ويقال إن للبدو قديمًا حكمة شهيرة حول نفس الموضوع -وأعني به التغافل والترفع عن التفاهات-، تقول هذه الحكمة:
“الرمح غالي والفريسة ذبابة.”
وهذا يعني أن المعارك الوهمية التي يخوضها الإنسان مع الأشخاص التافهين تسرق حياته، وتشتت تفكيره، وتعيق خططه، وتفسد علاقاته. وعادة، بعد فترة من الزمن، ندرك هذه الحقيقة، وهي أن الكثير من الأمور التي نواجهها في حياتنا اليومية مع بعض الأشخاص التافهين، لا تستحق منا حتى ردة فعل نحوها مهما كان نوعها. لذا، من الأفضل أن نعيش بسلام، ونتجنب خوض هذه المعارك الوهمية.

وأقتبس هنا من أحد أقوال الوزير والسفير ورجل الدولة معالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-، حيث قال:
“ستدرك في وقت متأخر من الحياة أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية، أشغلتك عن حياتك الحقيقية.”

وكتب أيضًا قائلاً:
“وعدتُ من المعارك لست أدري …. علام أضعت عمري في النزال؟
وماذا عنكِ؟ هل جربتِ بعدي…. من الأهوال قاصمة الجبال؟”

ويُروى -و”العهدة على الراوي”- أن الفارس العربي الشهير عنترة بن شداد العبسي، أحد شعراء العرب في العصر الجاهلي، قال:
“لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب…. ولا ينال العلى من طبعه الغضب.”
وهذا يعني أن رفيع المنزلة لا يحمل الحقد على أحد، وأن الذي طبعه الغضب لا ينال المنزلة الرفيعة التي يسعى إليها.

وختامًا:
ازرع داخل الجميع شيئًا يخصك. إن لم يكن حبًا وودًا، فليكن تقديرًا واحترامًا ولطفًا. لا تعامل الناس بالمثل فتكون مثيلاً لهم، بل عاملهم بطيب أصلك، وسمو خلقك، وجميل طبعك، حتى لو لم يستحقوا ذلك.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى