المقالات

التحقق والاختلاف

الحياة الإنسانية زاخرة بالمفارقات المربكة فالاختلافات بكافة مستوياته هي الأصل ومع هذا التنوع والتباين الذي لا نهاية له فإن اليقين على المستوى الفردي مطلبٌ عقلي شديد الإلحاح وبالغ القوة ويتعذر على الفرد أن يواصل حياته ما لم يعتمد على اليقين فاهتزاز اليقين يقوِّض الأمان النفسي ويربك الحياة ومثلما يقول كلوي مادانيس في كتابه (معجزة العلاقات): (( اليقين هو الحاجة الأساسية الأولى للإنسان)) فكل حياة الفرد قائمة على الوثوق التلقائي …..
ولكن رغم هذه الأهمية الأساسية لليقين كمطلبٍ عقلي ونفسي أوَّلي فإنه ليس معتمدًا على أساس صلب فليس أسهل من انزياحه فبمجرد أن يتأمل الفرد هذا التنوع الهائل بين الناس سوف يكتشف أن يقين كل فرد يختلف عن يقين كل الآخرين فكيف يكون أساسيا لكل فرد مع أن لكل فرد أنماطٌ ذهنية يقينية تختلف عن الانماط الذهنية اليقينية لكل الآخرين …..
كيف يكون اليقين العقلي هو الحاجة الأساسية الأولى للعقل وفي نفس الوقت تتنوع محتويات ومكوِّنات ومقوِّمات هذا اليقين ليس فقط بتعدد الأمم أو تعدد المجتمعات أو تعدد المذاهب أو تعدد الطوائف أو تعدد اللغات أو تعدد الأنساق الثقافية أو تعدد السوابق التاريخية التي تضع آثارًا لا يمحوها الزمن: ليس ذلك كله فقط وإنما تتنوع الأنماط الذهنية بين كل الأفراد في كل العالم بل تختلف الأنماط الذهنية بين الأشقاء …..
فلا نهاية للتنوع إن الأشقاء يختلفون اختلافات هائلة في أنماطهم الذهنية وفي اتجاهاتهم وفي تفضيلاتهم فالاختلاف هو الأصل على كل المستويات وليست التوافقات بين المجتمعات أو بين المختلفين داخل المجتمع الواحد سوى مقاربات تحاول تحقيق الحد الأدنى من إرضاء المختلفين …..
هذه الحقيقة يجب أن يعيها الجميع ليدرك الكل بأن الاختلافات هي الأصل وبأنه لا نهاية لأسباب الاختلاف فالمعجزة الحقيقية هي أن يتمكن الناس من إدراك هذه الحقيقة وأن يتمكنوا من التعامل الكريم على أساس هذا الإدراك …….
لذلك نجد فلاسفة العلم يؤكدون على ضرورة أن يدرك الناس أنه لا مبرر للوثوق المطلق الذي يفرق البشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى