يمثل القطاع العام دعامة أساسية للتنمية، إذ يشمل مجموعة الموارد والأصول التي تمتلكها الدولة أو المؤسسات العامة لخدمة المصلحة العامة للمجتمع. وتتضمن هذه الأصول النقدية من ضرائب ورسوم ونفط وغاز، والأرباح الناتجة عن الاستثمارات الحكومية، بالإضافة إلى الأصول العقارية والبنية التحتية، والموارد الطبيعية، والممتلكات الثقافية والتاريخية، والمرافق والخدمات العامة.
يُستخدم القطاع العام لتوفير الخدمات الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، والاستجابة للاحتياجات المجتمعية، ودعم الاقتصاد الوطني، وضمان الاستقرار الاجتماعي، وتحقيق التنمية المستدامة والسيادة الاقتصادية، فضلاً عن مواجهة الأزمات وتحقيق التوازن مع القطاع الخاص.
تسهم العلاقات بين القطاع العام والمواطنين في تعزيز المشاركة المدنية، وبناء مجتمع متماسك يشعر أفراده بأنهم شركاء في التنمية. ومع ذلك، تواجه الدول النامية تحديات متزايدة من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تشترط الخصخصة كجزء من إصلاحاتها الهيكلية مقابل القروض.
تهدف هذه الشروط إلى تقليل إنفاق الدولة عبر القطاع العام والترويج للخصخصة كوسيلة للتنمية. وتوصي هذه المؤسسات بخصخصة قطاعات معينة مثل الطاقة والنقل والخدمات العامة بدعوى تقليل العبء المالي على الحكومات. لكن هذا يؤدي غالبًا إلى آثار سلبية، مثل زيادة تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات الفقر، وعدم المساواة، وضعف جودة الخدمات بسبب تركيز القطاع الخاص على الربحية.
علاوة على ذلك، قد تؤدي الخصخصة إلى ارتفاع البطالة نتيجة تقليص الوظائف أو استبدال العمالة المحلية بعقود قصيرة الأجل. كما تُفقد الخصخصة الدول سيادتها الاقتصادية، خاصة إذا استحوذت شركات متعددة الجنسيات على أصولها العامة.
ورغم وجود إيجابيات بسيطة للخصخصة، مثل زيادة الكفاءة والإنتاجية، وجذب الاستثمار الأجنبي، إلا أنه ينبغي التعامل بحذر معها، لما لها من نتائج كارثية على الدول النامية وشعوبها.
القطاع العام ودوره الحيوي
يمثل القطاع العام عنصرًا حيويًا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يسهم في:
• تقديم الخدمات الأساسية وتعزيز العدالة الاجتماعية.
• تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل بناء الطرق والموانئ ومحطات الطاقة.
• دعم الاستقرار الاقتصادي من خلال التحكم في الأسعار ودعم السلع الأساسية.
• تحفيز التنمية الريفية وتعزيز الأمن القومي.
التجربة السعودية نموذجًا
تعد المملكة العربية السعودية نموذجًا رائدًا في تعزيز القطاع العام ضمن رؤيتها الطموحة 2030. وقد اتبعت القيادة الرشيدة خطوات فعالة للحفاظ على القطاع العام وتطويره، منها:
• إعادة الهيكلة والإصلاح الإداري بدمج بعض الوزارات والهيئات الحكومية.
• إطلاق برامج مثل “برنامج التحول الوطني” لتحسين الأداء الحكومي.
• تعزيز الشفافية والمساءلة بإنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة).
• رقمنة الخدمات الحكومية عبر منصات مثل “أبشر”.
• تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بخصخصة بعض القطاعات العامة.
• إطلاق مشاريع كبرى ببنية تحتية متقدمة لتحسين خدمات القطاع العام.
تؤكد هذه المبادرات أهمية القطاع العام في تحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل، ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
في الختام،
يبقى القطاع العام ركيزة أساسية للتنمية في الدول النامية، حيث يعزز العدالة الاجتماعية، ويوفر الخدمات الأساسية، ويدعم الاستقرار الاقتصادي. يجب على الدول العربية الاستفادة من تجارب بعضها البعض، مع التأكيد على أهمية تطوير القطاع العام لمواجهة تحديات المستقبل وتحقيق التنمية الشاملة.
عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية