كان لدي موضوع في مؤسسة شبه حكومية قبل عدة سنوات، لم يتفهم مسئولو تلك الدائرة موضوعي ولم يحركوا ساكنًا تجاهه. حاولت معهم وحاولت دون جدوى. ذهبت إلى دوائر أخرى لإنصافي منهم، رغم وجود ما يثبت حقي كاملاً. ضاقت بي السُبل ولم أجد مخرجًا.
وفي ليلة وأنا أفكر في حل لتلك الإشكالية، وأنا أقود سيارتي مررت بجوار مبنى إمارة منطقة الباحة، فخطرت في بالي فكرة أن أذهب لأمير المنطقة الأمير حسام بن سعود، وكان يستقبل المواطنين ويطّلع على أحوالهم، والأمر في الدخول عليه بسيط، كل ما عليك أن تكتب طلبك وتدخل من البوابة، وتأخذ بطاقة زائر، ثم تنتظر حتى يدخل المواطنون لمجلس الأمير، فتدخل عليه وتطرح موضوعك وتنتظر توجيهاته – حفظه الله.
من هنا سأبدأ لكم قصتي وما شاهدته وما عجبت منه بكل صدق وصراحة.
بعد دخولي إلى صالة الانتظار فوجئت بموظفي الاستقبال بالإمارة يقولون: “تفضل للضيافة على حساب الأمير، تجد الشاي والقهوة السعودية والحلى والتمر والمعجنات والعصائر.” تشعر أنك لست مواطنًا عاديًا، بل شخص مهم لدى الأمير.
جلست أتأمل وجوه الحاضرين؛ كبار السن والشباب، الموظف والعاطل، العاجز عن الحركة والنشيط. كلهم سيستقبلهم الأمير ويستمع لمطالبهم.
أتى وقت الدخول إلى مجلس الأمير لأنه سيحضر بعد قليل، أجلسونا على كراسٍ فخمة في قاعة كبيرة، أجلسوا كبار السن أولاً قريبًا من الأمير لأن لهم الأولوية، وأبشركم وضعوني مع كبار السن (لا تضحكون علي، أتوقع أنهم شاهدوا الشيب قد غزا لحيتي فقالوا هذا كبير سن). لكن ذلك كان من حظي فقد سمعت وشاهدت كل كلام وتعامل الأمير – حفظه الله – مع الناس.
دخل الأمير بكل تواضع وسلم علينا. أول مرة أشاهده عن قرب، مبتسمًا مُرحّبًا بنا جميعًا. تحبه من أول نظرة. طويل القامة مثل أبيه الملك سعود (أبو خيرين). جلس على كرسيه.
تقدم شايب كبير لا أنساه أبدًا، أتاه من تهامة مع ابنه الشاب يساعده على السير. قال للأمير بلهجته العامية: “أقلك يا طويل العمر، أنا اشتغلت مع أبوك سعود في الطايف.” انبسط الأمير وتجاوب معه. قال: “وين اشتغلت؟” قال: “اشتغلت في الطايف زمان.” قال الأمير: “الله، زمان هذا الكلام!” قال الشايب: “أيوه، زمان كنت أودي وأجيب.” والأمير يستمع له بكل حب وتواضع. قال الأمير: “قل وش تأمر عليه، وش مطلوبك؟” قال الشايب: “أنا عندي عمود كهرب في حوش بيتي ضايقني، وقدمت على الكهرباء، قالوا ادفع فلوس، وما أقدر أدفع لهم.” التفت الأمير للمسؤولين حوله، وقال: “كم يكلف؟” وأعطوه التكلفة. رد الأمير: “انقلوه على حسابي.” والتفت الأمير على الشايب، وقال: “خلاص، أبشر موضوعك عندي.”
الشايب لم يسمع الأمير، فقال: “هاه؟ وش قلت؟” قال الأمير: “خلاص، بننقل العمود، لا تهتم، موضوعك عندي.” فرح الشايب فرحًا شديدًا، ما توقع سرعة الحل والإجابة. قال: “الله يحفظك، الله يحفظك.” وهو يهم بالقيام، قال: “أنت كريم مثل أبوك، أنت كريم مثل أبوك.” رد الأمير وهو يضحك: “وين أجي مثل أبوي؟ هذاك سعود.” (افتخار الابن بأبيه).
هذا مشهد درامي حقيقي أمامي وأمام الجميع، أمير مع شايب كأنه ابن مع أبيه.
مشهد آخر حدث كدت لا أستطيع أن أتمالك نفسي أمامه. جلس شخص أمام الأمير وهمّ بالحديث، لكنه لم يستطع أن يكمل حديثه إلا بقوله: “أنا مظلوم!” ثم بكى. هون عليه الأمير وكأنه أباه. قال: “عندي، كل شيء تحتاجه أبشر به عندي.” قرأ الأمير كامل معاملته وقال: “أبشر عندي.” قام وأوصى الأمير أحد المسؤولين أن يخرج معه حتى يطمئن عليه.
مشهد ثالث أمام عيني. رجل في الخمسين من عمره، حرصت أن أذكر عمره حتى تعلمون أنه قبلي وتستنتجون أن عمري أصغر منه. جلس أمام الأمير يريد الزواج من الخارج ويطلب التصريح من الأمير بالموافقة. قال له الأمير: “وبناتنا وش فيهم؟ خذ من بناتنا”، يقصد بنات السعودية – الله يحفظهن. قال الرجل: “هواي يا طويل العمر، تكفى لا تردني.” ضحك الأمير، وقال: “طيب، أبشر، وافقنا لك.” قام الرجل وهو يضحك ويدعي للأمير، وأنا أقول: “شكل الرجال مسحور، تعرفون هذا تفكيرنا.”
جاء دوري. جلست أمام الأمير. كان في رأسي كلام كثير بقوله. قلت: “يا طويل العمر، موضوعي…” فرفع رأسه ونظر لي. لم أشاهد في هيبته أحدًا مثله، كأنه أسد ينظر لي. بالعربي، ضاعت علومي وراح الكلام اللي في رأسي كله. دخل عباس على دباس. حاولت أتمالك نفسي وأستخدم تقنيات علم النفس في تهدئة النفس. الصدق، ضاعت كل التقنيات. حاولت، وأنجدني الله وكملت كلامي في موضوعي.
قال: “هم خسروا”، يقصد المؤسسة. قلت: “نعم، خسروا.” قال الأمير: “طيب، استأنفوا.” قلت: “وخسروا أيضًا.” قال: “ما هو على كيفهم ما ينفذون.” (هنا الحزم والقوة). قال: “خلاص، بينفذون. أبشر، موضوعك عندي وانتهى.”
أي فرحة جتني؟ وأي قوة شعرت بها؟ أنا في دولة تعز مواطنيها وتأخذ كامل حقوقهم. بعدها توالت الاتصالات من الحقوق، ومن الشرطة، ومن المؤسسة، لكي أذهب لأخذ ما أطالب به.
حفظ الله هذا الوطن قيادة وشعبًا، رحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز وأبناءه البررة من بعده، وحفظ الله الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان. حفظ الله أمير منطقتنا المحبوب حسام بن سعود، وجه الخير وقائد التنمية في المنطقة.