الوضوح قرائي الأعزاء في العلاقات والتعاملات هو المفتاح الذي يفتح أبواب الثقة ، ويزرع بذور الأمان والاحترام المتبادل بين الأفراد. في عالم يزداد تعقيدًا ، ويغلب عليه التلون والازدواجية ، يصبح الوضوح قيمة نادرة لكنها ضرورية للحفاظ على قوة العلاقات الاجتماعية وديمومتها.
فالعلاقات البشرية ، سواء كانت عائلية ، صداقة ، أو حتى مهنية ، تعتمد على الوضوح والصراحة كأساس متين لاستمرارها. عندما يكون الشخص واضحًا وصادقًا في أقواله وأفعاله ، يبعث ذلك في نفوس الآخرين شعورًا بالأمان والثقة ، مما يجعل العلاقة أكثر عمقًا وثباتًا. فالوضوح يعكس شخصية الإنسان النزيهة ، ويدل على احترامه للآخرين ولذاته.
وعلى الجانب الآخر ، عندما يسود الغموض والتلون وعدم المصداقية ، تصبح العلاقة هشة وغير مستقرة. مثل هذه العلاقات تُشبه المباني المشيدة على الرمال؛ قد تبدو قوية في البداية ، لكنها تنهار مع أول اختبار أو مواجهة. فالوضوح هو ما يضمن أن العلاقة تستطيع الصمود أمام تقلبات الحياة وضغوطاتها.
إن الشخص الذي يتلون في تعامله مع الآخرين، أو يظهر على غير حقيقته ، سرعان ما ينكشف أمام الأعين. لا يمكن للإنسان أن يصطنع المحبة والطيبة إلى الأبد ، لأن الزمن يكشف النوايا ، كما يكشف الأقنعة. وعندما يكتشف الآخرون التناقض بين الأقوال والأفعال ، تتبدد الثقة ، ويبدأ التباعد التدريجي.
فالتلون قد يمنح صاحبه مكاسب قصيرة الأمد ، لكنه يدمر العلاقات على المدى الطويل. فالأصدقاء الذين يشعرون بعدم المصداقية في العلاقة ، سرعان ما يفقدون الرغبة في الاستمرار فيها. أؤكد مجددا واكرر بأن العلاقات الحقيقية تستمد قوتها من الوضوح ، لأنها تعني أن الطرفين يمكنهما الاعتماد على بعضهما في السراء والضراء ، دون خوف من الخيانة أو الخداع.
يمكن اعتبار الوضوح معيارًا أو “ترمومترًا” يقيس جودة العلاقات الاجتماعية. عندما تكون العلاقة واضحة، يتوافر فيها الاحترام المتبادل، وتخلو من التوترات الناتجة عن سوء الفهم أو الشكوك. فالعلاقات الواضحة تمنح الطرفين بالفعل حرية التعبير عن آرائهم ومشاعرهم دون خوف من الحكم أو الانتقاد، مما يخلق بيئة داعمة ومريحة. الوضوح أيضًا يُسهم في تقليل النزاعات وسوء الفهم ، لأنه يضع الأمور في نصابها الصحيح منذ البداية. عندما يكون الطرفان صادقين بشأن توقعاتهم واحتياجاتهم ، يكون من السهل إيجاد حلول وسط تُرضي الجميع. على العكس ، يؤدي الغموض إلى تفاقم المشكلات وتراكمها، مما يجعل حلها أكثر صعوبة بمرور الوقت.
قد يتساءل البعض هل توجد فوائد للوضوح في العلاقات ، والجواب نعم ، وهي على النحو التالي:
1. تعزيز الثقة: الوضوح يبعث رسالة مفادها “أنا أثق بك وأتوقع منك الثقة بي”. هذه الرسالة تُشجع الطرف الآخر على التصرف بالمثل.
2. زيادة الاحترام المتبادل: عندما يكون الشخص صادقًا وواضحًا، يظهر احترامه لذكاء الآخرين ومشاعرهم، مما يعزز الاحترام المتبادل.
3. تجنب سوء الفهم: الوضوح يقلل من فرص حدوث سوء الفهم أو التفسيرات الخاطئة، لأن الجميع يعرفون ما يتوقعونه من بعضهم البعض.
4. تقوية الروابط: العلاقات الواضحة تكون أكثر عمقًا وقوة، لأنها مبنية على أساس متين من الصراحة والشفافية.
بالنسبة لكيفية تعزيز الوضوح في العلاقات فتكون بطبيعة الحال بالصراحة في التعبير عن المشاعر ، فيجب أن يكون الإنسان قادرًا على التعبير عن مشاعره بصدق ، سواء كانت إيجابية أو سلبية ، دون الخوف من ردود الفعل.
وكذلك الالتزام بالوعود ، فالوضوح يتطلب أن يكون الإنسان ملتزمًا بوعوده وأقواله. عندما يقول الشخص شيئًا ويفعل عكسه ، يفقد مصداقيته ، وايضا الاستماع بإنصات ، فالوضوح لا يعني فقط التحدث بصراحة ، بل يتطلب أيضًا الاستماع بإنصات وفهم لما يقوله الآخرون ، والابتعاد عن المبالغة أو التلاعب ، حيث أن التلاعب بالألفاظ أو المبالغة في الأمور يُعتبران من أشكال الغموض التي تؤدي إلى انهيار الثقة. في النهاية ، اقول بأن الوضوح ليس مجرد صفة محمودة ، بل هو سلاح يساعد الأفراد على مواجهة التحديات وحل النزاعات. فالعلاقات الواضحة تصمد بالفعل أمام الصعاب لأنها مبنية على أسس قوية من الثقة والاحترام. أما العلاقات التي تعتمد على التلون وعدم المكاشفة ، فسرعان ما تنهار لأنها تفتقر إلى هذا الأساس.
انا أؤمن بمقولة (ما يصح إلا الصحيح) ، فالوضوح هنا هو الصحيح الذي يجب أن يكون القاعدة في كل علاقة. الإنسان الصادق والواضح قد يواجه صعوبات على المدى القصير ، لكنه يكسب احترام الناس وحبهم على المدى الطويل. ولذلك ، فإن الوضوح ليس مجرد خيار في العلاقات ، بل هو ضرورة تضمن استمراريتها وقوتها.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود