أقرأ في بعض القروبات تعليقات حول حرائق كاليفورنيا بأنها انتقام من الله أو رد على ما فعلته أمريكا مع بعض الدول الإسلامية. وأكثر التعليقات تتراوح بين الشماتة أو الدعاء باستمرار الحريق وزيادته.
أولاً: الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يهلك العالم كله بكلمة “كن” لأهلكه، ولا يخاف عقباها.
ثانيًا: كاليفورنيا ولاية من ولايات أمريكا، ولو احترقت عن بكرة أبيها ستبقى أمريكا قوة عظمى، وستنهض من القمقم كما نهضت بعد الأعاصير والبراكين، وستحول أضرار الحريق إلى منافع.
المتضررون من الحريق ليسوا الرئيس ولا مجلس الشيوخ ولا البرلمان، ولا الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، بل تضرر منه أناس لا في العير ولا في النفير، بل إن أغلبهم ضد سياسة دولتهم جهارًا نهارًا، وربما يكون منهم نسبة كبيرة من المسلمين، وهم غالبًا فقراء زاد الطين بلّة عليهم.
أمريكا بلد صديق، وبيننا وبينهم مصالح مشتركة، ويقيم الكثير منهم بين ظهرانينا كما يقيم الكثير منا بين ظهرانيهم. زرناهم في عنفوان الشباب والمغامرة، فلم نجد إلا ترحيبًا ومعاملة حسنة ما لم تخل بالنظام.
كثير من المنتجات الأمريكية تعج بها أسواقنا، وهي من أجود الإنتاج، من الطائرات العسكرية والمدنية إلى أصغر المنتجات. ولو – لا قدر الله – دمرت تلك القدرات، فإن البديل سيكون أسوأ من أمريكا بكثير.
كاليفورنيا مهد لأعظم الصناعات، من فضاء وطيران وتسليح وطب وفنون وغيرها. بخرابها سيخسر العالم كله، لا سيما تلك المختبرات الفضائية التي تعج بالأجهزة التي أجهد العلماء عقولهم سنوات طويلة لإنتاجها.
هل لو احترقت أمريكا عن بكرة أبيها سيعتبر الآخرون ويعتنقون الإسلام؟ الكثير من البلدان الإسلامية تعرضت لأسوأ مما تعانيه كاليفورنيا.
ديننا دين تسامح وتعايش، قال تعالى: “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.
وقال سبحانه: “لكم دينكم ولي دين”، و: “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”.
حكوماتنا الرشيدة – أيدها الله – منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى عهد الرؤية المجيد، تربطها بأمريكا علاقة مصالح مشتركة. لم نخضع لهم يومًا، ولم نعاديهم. أمريكا بلد صديق، وهي من أوائل من نقب عن البترول وساهم في التنمية، وحالفنا ضد من هددنا وهدد مصالح العالم.
وليست حرب الخليج في ملف النسيان، وليست إيران منا ببعيد. رأينا رؤساء أمريكا يهرولون إلى السعودية في بداية ولاياتهم لعلمهم بحاجتهم لنا وحاجتنا لهم. وهكذا هي الحياة.
أما أن نشمت بمقادير الله التي تصيب الكافر والمؤمن، والبر والفاجر، فذلك ليس من الإسلام في شيء. بل إن أشد الناس ابتلاءً هم أعظمهم إيمانًا.
نسأل الله أن يحمي بلدنا، ولا يرينا قوته وجبروته، وأن يعم برحمته جميع خلقه.
والله من وراء القصد. والسلام.