مقدمة:
أود بداية أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للبروفيسور سليم الحسني، العالم الجليل، الذي عرفني على هذه الشخصية البريطانية الأكاديمية والسياسية المرموقة، اللورد فيفيان بويندن. لقد كانت له بصمة واضحة في فكر هذه الشخصية، كما أن له أثرًا كبيرًا علينا جميعًا. فبفضل من الله ثمّ البروفسور سليم، استطعت التعرف على بويندن الذي ترك بصمة في مجال الاقتصاد والفكر الإسلامي، وأثرى معرفتنا بحلول اقتصادية ملهمة. له منا كل الشكر على دعمه المستمر وتشجيعه.
اللورد فيفيان بويندن، الوزير البريطاني البارز وأستاذ التعليم العالي، كان شخصية أكاديمية وسياسية نادرة في القرن العشرين. من خلال منصبه كوزير للعلوم والتكنولوجيا في حكومة جيم كاليغان العمالية، وقيادته لمنصب رئيس جامعة مانشستر (UMIST)، جعل بويندن من نفسه رائدًا في مجال الإصلاحات الأكاديمية والتطوير التكنولوجي. إلا أن اهتمامه لم يقتصر على العلوم والتكنولوجيا فقط، بل تعداه إلى الاقتصاد، حيث اكتشف حلولًا اقتصادية مستوحاة من الفكر الإسلامي. من خلال كتاباته ومحاضراته، قدّم اللورد بويندن إطارًا يربط بين القيم الاقتصادية الإسلامية والأزمات المالية المعاصرة، مقدمًا نموذجًا ماليًا مستدامًا من شأنه معالجة قضايا التضخم، المديونية، والفوارق الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية.
1. اللورد بويندن والتطور الأكاديمي والسياسي:
ولد اللورد بويندن في بريطانيا وعُرف بأدواره الأكاديمية والسياسية المؤثرة. كان رئيسًا لكلية العلوم والتكنولوجيا في جامعة مانشستر، كما تولى منصب وزير العلوم والتكنولوجيا في حكومة جيم كاليغان، حيث عمل على تحديث سياسات التعليم والبحث العلمي. وخلال فترة خدمته، اكتشف بُعدًا جديدًا في الاقتصاد، حيث درس المبادئ الاقتصادية في الحضارة الإسلامية وحاول دمجها مع النظم المالية المعاصرة.
2. الزكاة: من المفهوم الإسلامي إلى الحلول المعاصرة:
أحد أبرز الموضوعات التي أثارها بويندن كان الزكاة، التي تعد من أبرز أركان النظام الاقتصادي الإسلامي. يبرز بويندن الزكاة كنموذج فعّال لمواجهة مشكلات التضخم واللامساواة المالية في العالم المعاصر. الزكاة، التي تُفرض على الأفراد القادرين لتوزيعها على الفقراء، تُحسب وفقًا لقيمة السوق السائدة للأصول والسلع. ويرى بويندن في هذا النموذج أداة مرنة وفعّالة، تضمن استقرار قيمة النقود وتخفف من تداعيات التضخم. وقد اقترح بويندن إمكانية اعتماد الحكومات لهذا النموذج في إطار سياسات اقتصادية معاصرة يمكنها الحفاظ على الاستقرار المالي وتوزيع الثروات بشكل عادل.
3. تحريم الربا: العدالة المالية كأداة لتحقيق التوازن:
بخلاف الأنظمة المالية التي تعتمد على الفائدة (الربا)، يعتبر النظام الاقتصادي الإسلامي تحريم الربا جزءًا أساسيًا من فلسفته المالية. يرى بويندن أن فرض الفائدة على القروض يؤدي إلى تعزيز التفاوت بين الأغنياء والفقراء، وزيادة العبء المالي على الطبقات الأقل دخلًا. يقدم بويندن الفكرة الإسلامية للتمويل، التي تعتمد على المشاركة في الأرباح والخسائر بدلاً من الفائدة الثابتة، باعتبارها نموذجًا يمكن أن يساهم في خلق نظام مالي أكثر عدلاً. يشدد على أن هذه الأنماط المالية قد تساهم في تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتعزيز العدالة المالية.
4. نجاح التجارة الإسلامية وأثره في الاقتصاد العالمي:
أشاد بويندن بالنظام التجاري الذي ساد في العصور الإسلامية، حيث كانت التجارة مبنية على أسس من العدالة والشفافية، مع الالتزام بقوانين تمنع الاحتكار والممارسات غير العادلة. أكد بويندن أن النظام التجاري في العصور الإسلامية كان يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال تحفيز الابتكار والتنمية الاقتصادية عبر مراعاة مصالح جميع الأطراف. يربط بويندن هذا النظام بالعصر الحديث، ويحث على تطوير قوانين تجارية تشجع على تبادل القيمة والابتكار مع ضمان حقوق جميع الأطراف.
5. تحديات تبني الحلول الاقتصادية الإسلامية:
على الرغم من قوة الحجج التي قدمها بويندن حول فوائد النظام الاقتصادي الإسلامي، فقد أشار إلى العديد من التحديات التي تعيق تطبيق هذه الأفكار على مستوى عالمي. من أبرز تلك التحديات مقاومة المؤسسات المالية الغربية التي تعتمد على النظام المصرفي الربوي، إضافة إلى العقبات السياسية والاقتصادية التي قد تواجهها الحكومات التي تسعى إلى تطبيق هذه الأفكار. كما أن هناك مقاومة من بعض الأكاديميين والمحاسبين الذين يرون في النظم الاقتصادية التقليدية أسسًا لا يمكن تجاوزها بسهولة.
6. التوصيات لتطبيق الحلول الاقتصادية الإسلامية في النظام المالي المعاصر:
• الاستفادة من الزكاة كأداة اقتصادية: يجب على الحكومات أن تفكر في تبني نموذج الزكاة في إطار السياسات الاقتصادية لمواجهة التضخم وتحقيق العدالة في توزيع الثروات. يمكن تعديل هذا النموذج ليتناسب مع الظروف الاقتصادية المعاصرة، مع ضمان استدامته.
• إلغاء الربا وتطوير نماذج تمويلية بديلة: يوصي بويندن بتطوير نموذج مالي يعتمد على المشاركة في المخاطر والأرباح بدلاً من الفائدة الثابتة. يجب أن يتم دعم هذه النماذج من قبل الحكومات والمؤسسات المالية لتعزيز العدالة المالية وتقليل التفاوت الاجتماعي.
• إصلاح النظام التجاري العالمي: ينبغي على الحكومات والمؤسسات المالية العالمية تعزيز تشريعات تحظر الممارسات التجارية غير العادلة، وتوفير بيئة محفزة للابتكار التجاري العادل. يمكن الاستفادة من التجربة الإسلامية في تنظيم الأسواق التجارية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي.
• التعاون بين الفكر الغربي والإسلامي: من خلال تبني الحوار بين الأوساط الأكاديمية والفكر الاقتصادي الغربي والإسلامي، يمكن تطوير حلول مالية جديدة تأخذ في الاعتبار القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية. هذا التعاون قد يساهم في تحسين أنظمة التمويل العالمية وتوفير حلول مستدامة للأزمات الاقتصادية.
الخاتمة:
من خلال عمله الاستثنائي في إعادة التفكير في الحلول الاقتصادية الإسلامية، قدم اللورد بويندن نموذجًا فعالًا يتجاوز الحدود التقليدية للاقتصاد الغربي. إن دعوته إلى دمج المبادئ الإسلامية في الأنظمة المالية المعاصرة ليست مجرد دعوة نظرية، بل هي دعوة عملية للبحث عن حلول عادلة ومستدامة في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. إذا تم تبني هذه المبادئ، يمكن أن تساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصادات العالمية بشكل عام.
—————-
المراجع
1. Bowden, V. (1978). Economic Reforms and Islamic Principles: The Future of Financial Systems. Manchester University Press.
2. Al-Saadi, H. (2015). The Role of Zakat in Modern Economic Systems. Islamic Economics Journal, 24(3), 85-97.
3. Johnson, L. (2009). The History of Islamic Finance and Its Impact on Global Markets. Oxford University Press.: