عام

يدٌ سلفت ودينٌ مستحقٌ (1)

«زاوية منفرجة»

أجزل الشكر للأستاذ محمد علي قدس، الذي كتب مرحبا بي هنا في “مكة”، في التاسع من الشهر الجاري، وطمأنني بأن هناك من لا زال يتذكر انني كنت ضيفا طويل الإقامة، على صفحات الجرائد السعودية، والشكر بالطن المتري للأستاذ بندر علي الشهري الذي مهد لانضمامي لأسرة “مكة”، فقد ظل بيننا تواصل عبر واتساب لقرابة العام، طلب مني خلاله تسجيلات صوتية لجوانب مما أوردت في كتابي “سيرة وطن في مسيرة زول”، وقد كان. ثم جاءتني عبره الدعوة من الأستاذ عبد الله الزهراني، رئيس التحرير، لكتابة مقال اسبوعي هنا، وقد كان.
قلت لبندر إن الصحافة السعودية، هي التي أتاحت لي الفرصة للتحول من كاتب شبه نَكِرَة الى كاتب شبه معرفة، وإنني أتشرف بالعودة الى سوحها عبر مكة، فأول صحيفة زاولت فيها الكتابة والنشر كانت جريدة اليوم، وكان ذلك خلال عملي مترجما في شركة أرامكو، عندما كلفني الأستاذ الشاعر الضخم، محمد العلي، رئيس هيئة تحريرها بترجمة مقالات من الصحف البريطانية والأمريكية، وسعدت حينا من الدهر برفقة الشاعر علي الدميني، وكان وقتها يعمل أيضا في أرامكو، وكان مسؤولا عن إعداد ملحق “المربد” الأدبي، وجعل منه حاضنة لذوي المواهب الأدبية من شتى الدول العربية، وكان هناك الأستاذ العصامي صالح العزاز، رحمه الله، الذي كان يشغل منصب مدير التحرير، وهو أصغر من تولوا ذلك المنصب في الصحافة السعودية، واتصل الود بيننا الى أن أسلم الروح في ديسمبر من عام 2002
صرت كاتبا حرا يكتب عمودا أسبوعيا بمسمى “زاوية منفرجة” مرة في الأسبوع، في جريدة الشرق القطرية، وكان ذلك في عام 1990، ولكن باسم مستعار هو “عدلان الرفاعي”، وكان ذلك لأنني لم أكون واثقا من أن أسلوب الكتابة الذي اخترته ربما لن يجد القبول، (بعد أن نقلت تلك الزاوية الى الوطن السعودية، التقيت يوما ما بالبروفسر السعودي احمد البدلي، وهو أول عربي يتخصص في الأدب الفارسي، فقال لي: لو كتبت ما تكتب اليوم قبل 15 سنة لانهالت عليك النعال). وعودا الى موضوع الكتابة باسم مستعار، جاءني ذات يوم طالب يدرس الإعلام في جامعة قطر، ويتدرب في الصحيفة، وقال لي: استاذنا في الكلية نصحنا بقراءة عمود الكاتب “الأردني” عدلان الرفاعي، الذي قال عنه إنه “بعيد عن الكتابة التقريرية، وفيه احترام لذكاء القارئ”، فكان ذلك بالنسبة لي صك نجاح، وظهرت باسمي الحقيقي، ثم صرت خبيرا أجنبيا في بريطانيا، عندما التحقت بتلفزيون بي بي سي، ونقلت تلك الزاوية الى مجلة المشاهد السياسي، ثم طلبت مني جريدة القدس العربي، كتابة مقال اسبوعي فيها، وقد كان، ثم وبعد ان عدت الى قطر، تلقيت رسالة بريدية من سفير المملكة في بريطانيا الدكتور غازي القصيبي، –رحمه الله-، يقول لي فيها: ما رأيك في أن تحرر عمودا أسبوعيا في مجلة المجلة، وقد حصلت لك على موافقة بذلك من رئيس تحريرها الأستاذ عبد العزيز الخميس، بشرط أن تغادر القدس العربي. أحسست عندها بأنني نلت ترقية لم أكن أحلم بها: أكتب في المجلة التي فيها الطيب صالح، وأحلام مستغانمي، ولطيفة الشعلان، وعلي العميم؟ وبتزكية من غازي القصيبي شخصيا؟ صبرت وفزت يا أبو الجعافر. لاحقا قال لي القصيبي إنه كان يقرأ القدس العربي بحكم منصبه الدبلوماسي، ولكن كمن يتناول جرعة كبيرة من زيت الخروع.
وبعد أن توقفت عن نشر “زاوية حادة” في مجلة المجلة، جاءني اتصال من الأستاذ قينان الغامدي، حدثني فيه عن صحيفة جديدة اسمها الوطن، وطلب مني كتابة عمود يومي فيها، فكانت الزاوية المنفرجة التي وجدت قبولا طيبا من القراء السعوديين، بل واستضافني وعائلتي ثلاث مرات في أبها، سمو الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة عسير وقتها، وشديد الحماس لتجربة”الوطن”، وتجولت في الأمارة صعودا وهبوطا بين جبالها ووديانها، وتعرفت على عدد من شعرائها، وما زال الود متصلا بيني وبين الشاعر، إبراهيم طالع الألمعي.
جريدة الوطن هي التي أكسبتني الذيوع في السعودية، وفي ذات مرة شاهدت مقطع فيديو للمطرب اللبناني راغب علامة يُسأل فيه عن أجمل نساء العالم العربي، فقال إن أقبحهن هي المرأة السودانية، فكتبت في الوطن مقالا بعنوان “وإذا أتتك مذمتي من راغبٍ”، فإذا بالقراء السعوديين يمطرون الموقع الخاص براغب على النت، بآلاف النسخ من المقال حتى انهار الموقع تماما، وتطلب إنعاشه عدة أيام، ثم كتبت مقالا آخر أقول فيه لراغب، إذا كان ما نسب اليك عن المرأة السودانية “مُفَبركا” فإني اعتذر، فإذا به يصرح لقناة تلفزيونية لبنانية بأن الأمر برمته فبركة، وإنه سيقدم شكوى بحقي للرئيس السوداني عمر البشير، وإنه للتدليل على احترامه للمرأة السودانية، وإعجابه بها سيشرك فتيات سودانيات في أقرب فيديو كليب يصدرها، فكتبت مقالا ثالثا جاء فيه إنه بهذا يسيء للمرأة السودانية إساءة بالغة.
ونواصل الأسبوع المقبل بمشيئة الله، محاولات رد الجميل والشكر للصحافة السعودية والقراء السعوديين، ولو بالكلمات، فَهُم من أوصلوني الى القارئ السوداني.
jafabbas19@gmail.com

جعفر عباس

كاتب صحفي (ساخر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى