المقالات

هل تعرف الحياة؟

عندما لا ندري ما هي الحياة، كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت؟
الموت لا يمهل أحدًا، بصرف النظر عما نراه نحن في أولئك، ولكن ما سبق يعيدنا إلى تحرير محل النزاع في معانٍ كثيرة، ومنها الموت، وبالضرورة ستجد نفسك في قلب تحليل الحياة بحكم الحرب بينهما والضدية الطاغية.
ما هي الحياة لتفهم الموت؟ الحياة هي الأثر فقط.

وُجدت الحياة بوسم الأثر
ورسم المآل ليبقى الخبر
فاللاموت يملك كتمانه
ليهزم تحت صريح القدر
حروب الحياة مع ضدها
تطول وحتماً هي المنتصر

نعم، الحياة هي من ينتصر في كل مرة متى كانت تعني الأثر وتدل عليه، وهنا تنتهي رحلة الموت، ولعل الأمثلة في أوساطكم تنتشر بقدر ما تنتثر، وتعدد بذات القدر الذي فيه تمهد.

نعم تمهد لفكرة الخلود والسرمد لمن بقي بعد موته أكثر مما كان قبله، فكأن الموت هو إنعاش للذكرى بشكل متكرر في محيط جاهد عمره كله في خلق محصلة تأبى الانصياع لقانون الفناء.
لا فناء مع العطاء، ولا انتفاء مع المثبِّت المطلق، ولا حياة لمن وقف أثره بنقطة نهاية عمره.
استوقفتني وفاة إحداهن حين شكّلت بوفاتها تأكيدًا غير مرتب لتلك القاعدة التي تقول إن الحياة بالأثر، وإن الأثر مادة الأبدية المطلقة في نواميس الكون كما أنه خرق للسائد وتحطيم لما دب ودرج من أن الحياة هي ما بين الولادة والموت.
نعم، توفيت رحمها الله ورحم كل الأموات، ولكن علمتني، وهكذا صنعت فيمن حولها أن العطاء لا يعرف حدود الزمان، ولا يستقيم أبدًا لحدود المكان، وأن قيمة الإنسان فيما يبنيه في غيره ويصنعه لمن حوله، ويشيّد بذلك كله بنيانًا جديدًا في تسميات نعرفها بـ ذاكرة تقليدية وتعريفات مبتذلة نرددها ولا نجدها.
الإنسان، البذل، الحكمة، الوفاء، التربية، الحب، الجود، الحياة ، الموت ، البناء، السمو،  والقائمة طويلة ولن تنتهي، وليست مبالغة؛ فبعض الشخوص تأبى أن تكون هامشًا، بل قدرًا خُلقت ألا تكون هامشًا. ولذلك وطّنت نفسها على صناعة المسميات من جديد لتخلق لها طريقًا مختلفًا في الحاضرين ومسلكًا خاصًا في مساق الحياة.. وكان.
نعم، توفيت وانقطع ذكرها، ولكن عند من يرى الحياة وجودًا هيكليًا. أما من يراها صنيعة اليوم للغد، فهي خالدة الذكر، باقية الاسم، وكأن الخلود الذي اختارته في تسمية من تحب، هو دلالة تنتصر لها بعد موتها، إن سلمنا أنها حقًا ماتت، فوفق ما تقدم لازالت هنا تراقب الندى المسكوب من ذلك الكف الموهوب.
ختامًا.. ربما ينتصر الموت في بعض جولاته، إلا أنه هنا ووفق ما سبق فقد خسر، والدليل شهادات الشكر التي يبعثها من تلمّس ذلك الأثر.

رياض بن عبدالله الحريري

كاتب وصانع محتوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى