يُقصد بالردح في اللهجة المصرية الدارجة علو الصوت المصحوب بالكذب والافتراء والتضليل.
منذ الإعلان عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين سموّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي أبدى فيه سموّه رغبة المملكة في استثمار (600 مليار دولار) في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ الردح -أخذًا بمعناه في اللهجة المصرية- بأن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى استغلال موارد السعودية دون وجه حق، وظهرت في سياق هذا “الردح” عناوين عديدة يفتقد جميعها إلى الطرح العلمي أو الواقعي كحد أدنى.
عزيزي “الرادح”، ما المقصود بالاستثمار؟ وما مدى نفعه بالنسبة للدول؟
الاستثمار بين الدول يمكن تلخيصه في امتلاك دولة ما لأصول مؤسسات تعمل في دولة أخرى.
ولا شكّ أن نفعه يعود على الدولتين طرفي الاستثمار. فالدولة المستثمرة تسعى من خلال استثمارها إلى تعدُّد موارد دخلها وزيادته، خاصةً إذا كانت الدولة المُستثمر فيها مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا ولديها بنية تحتية قوية، والدولة المستثمر فيها تسعى إلى زيادة عدد المشاريع النوعية لديها؛ لتعزيز نموها الاقتصادي، وتقليل نسبة البطالة لديها لما ستطرحه هذه المشاريع من وظائف شاغرة.
ولا يخفى على أحد مدى استقرار الولايات المتحدة الأمريكية وقوة وصلابة بنيتها التحتية، مما يعني ضمان نتائج الاستثمار فيها -بعد مشيئة الله-.
إذًا فلماذا جاءت الرغبة السعودية الآن -أي بعد تولي دونالد ترامب للرئاسة-؟
الاستثمار علاوةً على كونه أداة اقتصادية، فهو أداة سياسية هامة للدولة. فالدولة في إطار تعزيز مستوى التنسيق السياسي تقوم بطرح أداة الاستثمار كورقة ضغط مستقبلية. وقد لاحظ الجميع أن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط -خلال فترته الرئاسية السابقة- كانت متسقة مع توجّه السعودية في جلَّ القضايا، وبالتالي فإن رغبة المملكة للاستثمار الآن تعدُّ دلالة على استمرار هذا الاتساق.
إذاً فإن رغبة المملكة العربية السعودية للاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية تصبُّ في مصلحة المملكة قبل غيرها، وهذا يعني وجاهة سؤالي الذي بدأت فيه مقالي:
ما بال القوم يردحون؟