«زاوية منفرجة»
عطفا على مقالي هنا يوم الأحد الماضي، أقول ان اليد التي سلفت هي يد الصحافة السعودية، التي استضافتني سنين عددا، كاتبا حرا، ومنحتني أعمدة ناصية، ومعها صورتي (رغم أنني حاولت إثناءها عن نشر صورتي، خوفا على الحسان من الفتنة). ومن ثم لها دين في عنقي، ما من سبيل الى سداده إلا بالشكر الجزيل، والاعتراف بالجميل، وكان الأديب الأريب والشاعر الفاخر غازي القصيبي، رحمه الله، هو من أمسك بيدي وأدخلني فضاءات الصحافة السعودية، كما طوق عنقي بجميل آخر. فقد عانيت كثيرا من محاولات معارفي وأصدقائي وزملائي في الجزيرة العربية والخليج العربي، تبادل التحية معي عن طريق البوس، وعندنا في السودان لا يقبل الطفل الذكر بعد سن السابعة، أن تبوسه حتى أمه، بل إن البوسة اسمها القدّوم في السودان، والقدوم فأس صغيرة تستخدم غالبا في أعمال النجارة، وفي أكثر من مقال قال القصيبي عني “جعفر عباس الذي لا يبوس ولا ينباس”، فجعلتها سلاحا في يدي أشهره في وجوه من يحاولون بوسي (بعد ظهور فيروس الكورونا، قررت رد الصاع صاعات لأصدقائي من العرب العاربة والمستعربة والمستغربة، وكنت كلما لقيت أحدهم أمدُّ شفتي الأفريقيتين مستهدفا خده فيفر، فرار السليم من الأجرب، فوقعّت معهم اتفاقية سلام بدون بوس).
بعد جريدة الوطن، انتقلت بالزاوية المنفرجة الى صحيفة عكاظ على عهد الأستاذ عبد العزيز النهاري، -يرحمه الله- ولبثت فيها زهاء ثلاث سنوات، ثم تلقيت دعوة من الأستاذ محمد الوعيل رحمه الله، للكتابة في جريدة اليوم، التي اعتبرها مسقط رأسي الصحفي، لأنني مارست فيها الكتابة المنتظمة عندما كنت مترجما في شركة أرامكو في الظهران، على عهد الشاعر المجيد والمثقف العضوي، محمد العلي. وبموازاة كل ذلك استضافني الراحل الجميل طلال الرشيد، رحمه الله، في مجلة فواصل المتخصصة في الشعر بالعامية، وكتبت فيها “زاوية معكوسة” لعدد من السنوات، وصرت متذوقا جيدا للشعر النبطي/ الشعبي السعودي، والى يوم الناس هذا اعتقد ان من أجمل ما قيل في الحب بكل اللغات واللهجات هو “أنتِ لما توعدين وما تجين/ اختنق بالأوكسجين”- ربما قائله الشاعر الكبير محمد النفيعي (والله أعلم).
جمائل الصحافة السعودية علي كثيرة وكبيرة، ومجلة المجلة مثلا كادت ان تعينني على تحقيق حلم حياتي بالاقتران بالممثلة المصرية الساحرة نبيلة عبيد، فذات يوم وأنا في زيارة الى لندن رفقة حرمي، أم الجعافر (اسمها الحركي ام المعارك)، زرنا الأستاذ عبد العزيز الخميس في مبنى المجلة، الذي، وبعد بروتكولات الضيافة من شاي وقهوة، أجرى اتصالا هاتفيا بصوت خافت، ثم مدّ الي سماعة الهاتف، وجعل الصوت مفتوحا على جسم الجهاز: ألو مرحبا. فإذا بصوت نسائي رقيق، يجعل قلب شخص بلا عواطف مثل نتنياهو يذوب وَجْدا وطربا: أهلا يا قعفر. كانت نبيلة عبيد شخصيا، وأمطرتني غزلا، وكلاما كثيرا لم استوعبه لأنني كنت ارتعد، متحسبا من ردة فعل ام المعارك، ثم قالت إنها “حاليا” في سويسرا، وقدمت لي وزوجتي الدعوة للإقامة معها لأيام في مسكنها المطل على بحيرة جنيف. وبانتهاء المكالمة كان جسمي قد فقد مخزونه من السوائل، وغادرت وحرمي المكتب، وانا اتحصن بـ”قل أعوذ برب الفلق…”، وفور خروجنا الى الشارع انفتحت صنابير الشتائم عند الهانم، وكانت كلها موجهة لنبيلة، وأدركت ان التحصين أتى مفعوله، ولم أتعرض للتجريم (في الصورة مقال في المجلة باسم نبيلة عبيد فيه غزل مستتر).
قلت في مقالي الأخير في “مكة”، إنني ورغم حرصي على ألا أكون طعانا ولا لعانا ولا فاحشا ولا بذيئا في مقالاتي، إلا انني مارست قدرا من الردح في المطرب اللبناني راغب علامة، بعد أن بلغني انه قال كلاما جارحا عن المرأة السودانية، فأمطر القراء السعوديون الموقع الخاص بعلامة على النت بوابل من ذلك المقال حتى انهار الموقع تماما.
أما فاصل الردح الثاني والأخير لي، فقد كان بحق كاتب سعودي، سطر كلاما جارحا عن عموم شعب السودان، ورماهم بالكسل وانعدام المهارات في العمل، وبؤس مواد الطعام عندهم، وجاءني نص ما كتب من مجلة الوئام الالكترونية السعودية، فبحثت عن الكاتب في النت ووجدت له أيضا كلاما جارحا عن الشعب الموريتاني والمرأة السعودية، فأرسلت تعقيبي الى الوئام، فتناقلته مختلف مواقع النت السعودية، واستضافت قناة سعودية ذلك الكاتب، الذي اعتذر عما صدر منه بحق السودانيين، وأنا هنا أعتذر له لما صدر عني من كلام جارح بحقه
والصحافة السعودية أوصلتني الى صحافة وطني، ثم الى البحرين، ولي في جريدة أخبار الخليج البحرينية “زاوية معكوسة” منذ عام 2001، ومن ثم لها في وجداني مكان أثير.
jafabbas19@gmail.com