المقالات

طلاب الأمس وطلاب اليوم مقارنة غيرعادلة

كثيرا ما يطرح ويتردد السؤال في الوسط الإعلامي للمقارنة والتقييم بين طلاب الأمس وطلاب اليوم ، وهو سؤال بات مكررا و غير مناسبا. فانا أؤمن واجزم بأن الكثير منكم يتفق معي ، بأن مقارنة طلاب الأمس بطلاب اليوم قد تبدو غير عادلة في العديد من جوانبها، حيث أن الظروف المحيطة بكل فئة منهم مختلفة تمامًا. فطلاب الأمس يركزون على التحصيل الدراسي بشكل أكبر نتيجة لغياب الوسائل الترفيهية والتقنيات الحديثة التي قد تشتت انتباههم، في حين أن طلاب اليوم يعيشون في عالم مليء بالوسائل التكنولوجية والإنترنت التي قد تكون مصدرًا للتشتيت، ولكنها في نفس الوقت توفر فرصًا كبيرة للتعلم والاستفادة. في الماضي، كان طلاب المدارس يواجهون بيئة تعليمية تختلف بشكل جذري عن البيئة الحالية. ففي ظل غياب الأجهزة الذكية كالهواتف المحمولة والإنترنت، كانت الحياة المدرسية والأنشطة التعليمية تقتصر بشكل كبير على الكتب الدراسية والواجبات المدرسية. وكان الطلاب يكرسون معظم وقتهم في الدراسة والاجتهاد للحصول على أعلى الدرجات. وفقا لدراسة أجرتها جامعة “أوهايو” الأمريكية في عام 2017، أظهرت النتائج أن الطلاب في السابق كانوا يقضون وقتًا أطول في الدراسة مقارنة بأوقات الطلاب الحاليين، لأنهم لم يكونوا مشغولين باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وكان الطلاب حينها يقضون معظم أوقاتهم في الدراسة والمراجعة، بينما كانت وسائل الترفيه محدودة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، كانت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث غير موجودة، مما جعل الطلاب أكثر تركيزًا على تحصيلهم الدراسي. في المقابل، يعيش طلاب اليوم في عصر مليء بالتكنولوجيا، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات متعددة على تجربتهم التعليمية. يتمتع الطلاب اليوم بفرص كبيرة للحصول على معلومات من الإنترنت ومحركات البحث الإلكترونية التي توفر لهم ثروة من المعارف في شتى المجالات. وفي دراسة نشرتها جامعة “ستانفورد” الأمريكية عام 2019، أظهرت النتائج أن الطلاب الذين يستخدمون الإنترنت بشكل منتظم في دراستهم لديهم القدرة على الوصول إلى مصادر متنوعة من المعلومات التي قد تساعدهم في إثراء معرفتهم الثقافية والعلمية.
لكن هذه التكنولوجيا ليست دائمًا مفيدة، إذ أن العديد من الطلاب يتعرضون لتشتيت الانتباه بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية والمحتوى الترفيهي المتوفر بكثرة عبر الإنترنت. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة “كامبريدج” عام 2020، تبين أن الطلاب الذين يستخدمون الإنترنت للتسلية أكثر من استخدامه في الدراسة، يعانون من انخفاض في مستوى تحصيلهم الأكاديمي. وذكرت الدراسة أيضًا أن هناك علاقة طردية بين الوقت الذي يقضيه الطالب على الإنترنت في الترفيه والانخفاض الملحوظ في درجاته الدراسية.
بطبيعة الحال ، رغم التحديات التي تواجه الطلاب اليوم نتيجة لتقنيات العصر الحديث، فإن هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن تُستغل لتعزيز التحصيل العلمي. فالتقنيات الحديثة، كمحركات البحث الإلكترونية، تتيح للطلاب الوصول إلى محتوى تعليمي هائل يمكن أن يساعدهم على تحسين مستواهم الأكاديمي. بالإضافة إلى ذلك، توفر تطبيقات التعليم عن بُعد والموارد الإلكترونية كالدورات التدريبية عبر الإنترنت، أدوات قيمة يمكن أن تُسهم في تطوير مهاراتهم ومعرفتهم. في دراسة نشرتها “مجلة التعليم الإلكتروني” عام 2021 أظهرت أن الطلاب الذين يستخدمون الإنترنت كأداة تعليمية بدلاً من استخدامها في التسلية، يظهرون تحسنًا كبيرًا في أدائهم الدراسي، بل إن بعضهم يتفوق على أقرانهم الذين لا يستخدمون هذه التقنيات. كما أظهرت الدراسة أن الطلاب الذين يستفيدون من تطبيقات التعلم التفاعلي يستطيعون تفاعلًا أكبر مع المادة التعليمية، مما يعزز من فهمهم وتذكرهم للمعلومات.
لابد أن ندرك بأن اهتمامات طلاب الأمس تختلف عن اهتمامات طلاب اليوم بشكل كبير. ففي الماضي، كان الطالب يركز على الكتب الدراسية والأنشطة التعليمية في معظم أوقات يومه، بينما اليوم، ينشغل الطالب بأدوات التكنولوجيا بشكل أكبر، مما يتيح له التفاعل مع الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي أو متابعة المحتوى الترفيهي عبر الإنترنت.
وبالرغم من أن هذه الوسائل يمكن أن توفر فرصًا للاسترخاء والترفيه، إلا أنها قد تُعيق الطلاب عن تحقيق التوازن بين الدراسة والأنشطة الأخرى. تشير دراسات عديدة إلى أن إدمان التكنولوجيا قد يؤدي إلى انخفاض في مستوى الانتباه والتركيز، مما يؤثر سلبًا على الأداء الأكاديمي للطلاب.
ختاما ، اقول بأن مقارنة طلاب الأمس مع طلاب اليوم تُظهر بوضوح الفروق الكبيرة في الظروف المحيطة بكل فئة، سواء من حيث التقنيات المتاحة أو الضغوطات الاجتماعية والثقافية. لا يمكن إنكار أن الطلاب اليوم لديهم وسائل تكنولوجية متقدمة توفر لهم فرصًا تعليمية هائلة، ولكن في نفس الوقت، يجب أن يكونوا واعين بالتحديات التي قد تشتت انتباههم. أما طلاب الأمس، فقد كانت لديهم بيئة تعليمية أكثر تركيزًا على التحصيل الدراسي، ولكنهم كانوا يفتقرون إلى العديد من الفرص الحديثة التي يمكن أن تعزز من قدرتهم على التعلّم. من المهم أن يتمكن طلاب اليوم من استغلال هذه الوسائل بحكمة وتوجيهها نحو تحسين تعلمهم وتحقيق التفوق الأكاديمي، بدلاً من أن تكون عائقًا أمام تقدمهم. وفق الله جميع طلابنا للتحصيل العلمي المتميز.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى