المقالات

همسات الحكمة ونظرات التوجيه: من أساليب أبي التربوية

رحل أبي الحبيب الشيخ إبراهيم أحمد أزهر “غفر الله له” لكنه لم يرحل عن قلوبنا ولا عن ذاكرتنا. كان أبي مدرسة متفردة تجمع بين الحكمة والفن في التربية وبين الصمت والعمق في التوجيه. لم يكن بحاجة إلى رفع صوته أو استخدام كلمات كثيرة ليعلمنا .. كانت نظرة منه تكفي وكانت حركة منه توصل رسائل أكبر من الكلمات. لقد تعلمنا من أبي دون أن ندري أننا نتعلم وكنا نأتمر بأمره دون أن يأمرنا صراحة.

همسات الحكمة في التربية

أذكر كيف كانت همساته لنا تحمل الحكمة البالغة. لم يكن يلجأ إلى القسوة أو النقد المباشر .. بل كانت كلماته قليلة لكنها مشحونة بالمعاني العميقة. كان يملك قدرة فريدة على أن يجعلنا نراجع أنفسنا من دون أن نشعر بالخجل أو الإحراج أمام الآخرين. تلك الطريقة الراقية في التوجيه جعلتنا نتحمل المسؤولية ونختار الصواب لأنفسنا لا لأننا مجبرون عليه.

أبي الحنون بحكمته ربانا
همساته نور ونصح لنا

أسلوبه التربوي باللمسة الحانية

كان أبي يتبع أسلوباً مميزاً في التوجيه ربما لم نكن ندركه حينها لكنه كان ربانياً مستمداً من السيرة النبوية. عندما كنا في حالة غضب أو تردد لم يكن يرفع صوته علينا أو يأمرنا بقوة. بل كان يقترب بهدوء يضع يده برفق على أيدينا أو أكتافنا وكأن تلك اللمسة تحمل طاقة من السكينة التي تجعلنا نتريث.

أتذكر مرة عندما كنت في حالة غضب بعد خلاف مع أحد الأقرباء اقترب مني أبي وربت على يدي وقال “يا بني ليس الشديد بالصرعة لكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” كانت هذه الكلمات مصحوبة بتلك اللمسة الحانية كافية لتطفئ النار في داخلي.

ذلك الأسلوب لم يكن مجرد تهدئة بل كان درساً عميقاً في التحكم بالنفس والاقتداء بمنهج النبي محمد صل الله عليه وسلم في التعامل بالحلم واللين. كان أبي يعلمنا أن القوة الحقيقية لا تكمن في الغضب أو السيطرة بل في ضبط النفس والاتزان وكان يعبر عن ذلك كذلك بمثل مكي شهير “ألف سبه ما شقت قميص”

نظرات تحدث التغيير

أما نظراته فقد كانت كافية لإيقافنا عند حدنا إذا تجاوزناه. لم تكن نظراته قاسية بل كانت نظرات حانية تحوي عتاباً ناعماً ودعوةً صامتة للتفكير. أتذكر إحدى المرات عندما كنت في حالة من الغضب وبدلاً من أن يوبخني اكتفى بنظرة هادئة ثابتة جعلتني أدرك خطئي وأهدأ على الفور.

كانت تلك النظرات هي أسلوبه الفريد في التربية، أسلوب لا يحتاج إلى كلمات لكنه يترك أثراً عميقاً يدوم طويلاً.

حركات تلهم وتعلم

حتى حركاته اليومية كانت دروساً لنا. عندما كان يصب لنفسه كوباً من الشاي أو يطوي سجادة الصلاة بعد انتهائه كنا نتعلم من تلك الحركات النظام والاهتمام بالتفاصيل. كان يصمت كثيراً لكنه في صمته يوجه ويرشد. كنا نفهم من طريقته في التعامل مع الآخرين كيف نكون محترمين ومن حرصه على صلاتنا جماعة كيف تكون علاقتنا بالله.

“الفعل أقوى من القول يا أبنائي” هكذا كان منهجه في الحياة. وكان بالفعل مثالاً يحتذى به.

إرث الحكمة والحب

رحمك الله يا أبي وغفر لك وجعل مثواك الجنة. علمتنا بصمتك ما لم تستطع الكلمات أن تعلمه ووجهتنا بهمستك ما لم تستطع الأوامر أن توصله نفتقدك كثيراً لكننا نحمل إرثك معنا في قلوبنا. إرث الحكمة والصمت المؤثر والحب الكبير الذي غمرتنا به طوال حياتك.

في صمتِه تربو القلوب برحمة
وبعينِه تغدو الحياة جناناً

ستبقى دائماً رمزاً للتربية المثالية التي لا تُنسى يا أبي الحبيب فذكراك ستظل نوراً يضيء لنا الطريق كلما احتجنا إلى الحكمة والنصح.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

صورة تجمعني بوالدي و إخواتي بدار العائلة بمحلة الشبيكة – مكة المكرمة

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى