المقالات

التطوع وأهميته وقيمته الإنسانية والدينية والاجتماعية

يعد التطوع من أبرز الأنشطة التي تشهد نمواً متسارعاً في مختلف أنحاء العالم، حيث يشمل مجموعة من الأفعال التي يقوم بها الأفراد من دون انتظار أي مقابل مادي. و يتضمن العمل التطوعي تقديم الوقت والجهد للمساعدة في تحسين حياة الأفراد والمجتمعات، ويسهم بشكل فعال في تعزيز الروابط الاجتماعية وتطوير قدرات الأفراد.

فالتطوع كمفهوم هو العمل الذي يُؤدى طواعية، حيث يختار الأفراد تقديم وقتهم وجهدهم لخدمة قضايا اجتماعية أو إنسانية دون أن يكون الهدف هو الحصول على أجر مادي. و يتنوع العمل التطوعي ليشمل مجالات عديدة مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، والمساعدات الإنسانية، وتطوير المجتمع. لا شك بأن التطوع يعتبر أداة فعالة لتحسين نوعية الحياة في المجتمع والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة. و يشير الباحثون إلى أن التطوع هو نشاط طوعي وغير مُلزِم يقوم به الأفراد في مجالات متنوعة، ووفقاً للمعايير التي يضعها الفرد نفسه، مما يساهم في تعزيز مشاركته في قضايا تهم المجتمع. وتكمن أهمية التطوع في الأثر الإيجابي على المجتمع: حيث أظهرت الدراسات أن العمل التطوعي يلعب دوراً مهماً في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع. و يساهم المتطوعون في معالجة القضايا الملحة مثل الفقر، البطالة، التعليم، والتغير المناخي. على سبيل المثال، في دراسة أُجريت في الولايات المتحدة أكدت أن التطوع يزيد من شعور الأفراد بالانتماء إلى المجتمع، ويسهم في تحسين التفاعل بين الأفراد من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية. كذلك من إيجابيات التطوع تطوير المهارات الشخصية والمهنية: فالتطوع يوفر فرصاً للأفراد لتطوير مهارات جديدة، سواء كانت مهارات اجتماعية، إدارية، أو فنية. ففي دراسة أجراها مركز “ديلويت” للأبحاث، أظهرت النتائج أن المتطوعين يكتسبون مهارات قيادية وتواصل فعّالة يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على حياتهم المهنية.
و من إيجابيات التطوع ايضا تحقيق التنمية المستدامة: حيث يُعتبر التطوع أداة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك التي تركز على العدالة الاجتماعية والمساواة في التعليم والصحة. فلاجدال بأن تطوع الأفراد في مجالات البيئة أو في تقديم الرعاية الصحية يسهم في تحقيق أهداف مثل القضاء على الفقر وتوفير فرص التعليم للجميع. التطوع بطبيعة الحال يساهم في تعزيز القيم الإنسانية النبيلة مثل التضامن، الإيثار، والرحمة. من خلال العمل التطوعي، يكتسب الأفراد شعوراً عميقاً بالمسؤولية تجاه الآخرين، ويكتشفون أبعاد الحياة الاجتماعية من خلال العطاء والعمل المشترك.
ففي دراسة اخرى نُشرت في “المجلة الدولية للبحوث الاجتماعية”، وُجد أن الأفراد الذين يشاركون في الأنشطة التطوعية يشعرون بسعادة أكبر ويظهرون تقديراً أكبر للحياة البشرية بشكل عام. يُنسب هذا الشعور إلى تجربة العطاء والتواصل الإنساني الفعال الذي يعزّز الانتماء الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين.
اما القيمة الاجتماعية للتطوع: فهو يشكّل جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية، حيث يعزز من التماسك الاجتماعي ويدعم قدرة المجتمع على التكيف مع التحديات التي يواجهها. و قد يساعد العمل التطوعي في بناء شبكات من العلاقات الاجتماعية التي تساهم في تقوية النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية.و تشير الدراسات في هذا الصدد إلى أن المجتمعات التي تشارك فيها نسبة أكبر من الأفراد في الأنشطة التطوعية تتمتع بمؤشرات اجتماعية أعلى مثل انخفاض معدلات الجريمة وزيادة التعاون بين الأفراد. في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، تم التأكيد على أن المجتمعات التي تعتمد على التطوع تشهد تحسناً في مستويات الثقة والتعاون بين أفرادها. اما القيمة الدينية للتطوع: فالإسلام يرى التطوع عملا ممدوحاً ، و يُشَجَع المسلمون على العمل التطوعي باعتباره جزءاً من العبادة. هناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على تقديم العون للآخرين، كقوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى” (المائدة: 2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من لا يُؤثِر الناس فليس منا” (حديث صحيح). هذه الدعوات تدل على أن العمل التطوعي يعد من أسمى الأعمال التي يمكن أن يؤديها المسلم في خدمة مجتمعه. لا ننكر بأن العمل التطواعي برغم من أهميته تواجهه العديد من التحديات ، التي قد تؤثر على قدرته في تحقيق أهدافه. من أبرزها:
التمويل: قد تكون الموارد المالية احيانا محدودة لدعم الأنشطة التطوعية. ونقص الوعي: قد يفتقر البعض إلى الفهم الكامل لفوائد التطوع، مما يحد من انخراطهم في الأنشطة التطوعية. وكذلك الوقت: قد يشعر بعض الأفراد بأن لديهم أوقاتاً ضيقة بسبب المسؤوليات الشخصية والمهنية، مما يعيق مشاركتهم في الأعمال التطوعية.
ختاما: اقول بان التطوع ليس مجرد عمل تطوعي يساعد الأفراد والمجتمعات، بل هو وسيلة لتطوير الذات وتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية والدينية. فمن خلال المشاركة في الأعمال التطوعية، يمكن للأفراد أن يسهموا بشكل فعال في بناء مجتمع أفضل وأكثر تضامناً. فالتطوع يعد من الأدوات المهمة في تحقيق التنمية المستدامة، وهو يعزز من روح التعاون والمساعدة المتبادلة بين أفراد المجتمع، ويمنح الأفراد فرصة لتحقيق قيمة إنسانية حقيقية تُفيدهم في حياتهم الشخصية والمهنية.

• استاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى