(1) وهكذا تتهاوى الأقمار (الطايفية).. فبالأمس القريب ودعت الساحة الثقافية الأديب الحبيب الأستاذ علي بن خضران القرني، وبالأمس الذي قبله ودعنا الأستاذ الدكتور عالي سرحان القرشي، وقبلهما تباكينا على جيل ثقافي (طايفي) النشأة والهوية، فقدناهم وافتقدناهم عليهم من الله كل الرحمات!!
أما حبيبنا علي خضران القرني (أبو خالد)، فلم يكن – بالنسبة لي – شخصاً عادياً، ولم يكن صديقاً صدوقاً، ولم يكن مثقفاً ذا رأي فكري، وإنتاج غزير فقط – وإنما فوق ذلك – كان صديقاً للوالد حسن محمد العارف لقد تزاملا في تعليم البنات بالطائف وكانا روحان تحلقان بجناح الفكر والأدب والثقافة، كانت لقاءاتهما شعراً وصحافة وكانت اجتماعاتهما فكراً ومدارسة ومثاقفة.

* * *
(2) كان الوالد دائماً يحدثني عن هذا (الرجل)… وبدلني على كتاباته الصحفية وكتبه الثقافية، ولما توفي والدي رحمه الله وكنت أقابل الأستاذ (علي) في الصالونات الثقافية والنوادي الأدبية يحدثني عن الوالد حسن العارف حديث المحب/ المعجب، حديث الصديق/ الأخ، حديث الشاهد الصادق.. ومن هذا المنطلق طلبت إليه تقديم كتابي عن الوالد (يرحمه الله) فكتب قائلاً:
((كان العم حسن من عشاق القراءة وقول الشعر وله في ذلك تجارب ناجحة، وكثيراً ما كان يهديني أشعاره ويطلعني على الجديد منها…)).
وإذا نظرنا إلى مجمل إنجازاته الأدبية (وهي كثيرة)، وجدناه حفياً بالتراث/ متجذراً فيه، له آراء نقدية انطباعية فارزة للغث والسمين، وله أشعار مائزات تمتح من الخليلية/ العمودية أوزانها وجمالياتها. وله مقالات صحافية تناقش قضايا المجتمع والشباب والثقافة في مقابسات فكرية ثرية آمل من الدكتور خالد وإخوانه الكرام جمعها في كتاب وإخراجها للجيل الحديث من أبنائنا وبناتنا السالكين دروب العلم والثقافة، وهم كثير والحمد لله.
* * *
(3) رحم الله فقيدنا علي خضران القرني وأسكنه فسيح جناته.. وقد ترحمت عليه شعراً عندما جاءني خبر الوفاة ظهيرة الأحد 12/7/1446هـ، فكتبت ثنائية شعرية وأرسلتها لابنه الدكتور خالد قلت فيها:
“الموت حق علينا قد عرفناه
يختار من كانت الأرواح منزلهم
في كل حين ينادينا فنلقاه
وما جزعنا لأن الراحم الله”
وقد سعدت بالمشاركة في صلاة الجنازة على الفقيد في مسجد الفيصلية بجدة، وحضرت الدفن في المقابر المجاورة وقدمت واجب العزاء لأبنائه الكرام البررة وذويه المقربين.
وفي المساء كتبت القصيدة التالية رثاءً ووفاءً لهذا الأديب الحبيب والمحب، والصديق الصدوق يرحمه الله فقلت فيها:
“ماذا أقول.. وفقده أعياني
هذا الحبيب.. وحسَّه الإنساني
هذا (علي)… رمز لكل فضيلةٍ
أخلاقه رجحت على الميزانِ
علم وفكر واستباق نبوءةٍ
أرخى له التاريخ كل عنانِ
يا رحمة الله ارفعيه مكلَّلا
بالنور، في الجنات والرضوانِ
ولـ(خالد) هذا العزاء موشحاً
ولكل أبناء الفقيد بياني”
وهاهي المشاعر فياضة.. ولكن القلم لا يستجيب أمام هذه التداعيات الإخوانية التي أراها تعبر الذاكرة.. فمجلسه المعتاد في صالون الأسبوعية بدارة الدكتور عبدالمحسن القحطاني ومداخلاته ومشاركاته، ومقعده الوثير في ثلوثية عبدالله باشراحيل ومشاركاته الفكرية والأدبية، وتواجده المبهج في النوادي الأدبية والملاح الثقافية وغير ذلك من المنصات الثقافية لا تفارق ذاكرتي فماذا أكتب وأسجل؟! وماذا أدع وأترك؟! فالعجز يحيط بي من كل مكان.. ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!!
ولعل ما يبهج الخاطر – رغم الحزن العميق – ما أقرؤه من شهادات وتأبين في حق الراحل (يرحمه الله) فهذا الدكتور عايض الزهراني، وهذه الدكتورة سارة الأزوري وهذا محمد قليل الثبيتي وهذا حماد السالمي، وهذا الدكتور عدنان المهنا وهذا الإعلامي محمد العدواني وغيرهم كثير!!
رحم الله الفققيد وأسكنه فسيح جناته.
والحمد لله رب العالمين.