منصات التواصل الاجتماعي أصبحت في السنوات الأخيرة جزءًا أساسيًا و مهما في حياة الشباب والأطفال. ومع تزايد استخدام هذه المنصات ، برزت شخصيات مشهورة أصبح لديها جماهير ضخمة من المتابعين ، لا سيما من فئة الأطفال والشباب. ورغم أن البعض منهم يقدم محتوى إيجابي وملهم ، فإن هناك أيضًا العديد من المشاهير الذين يقدمون نماذج هشة وغير مناسبة قد تؤثر سلبًا على الشباب. فهذه الشخصيات قد تبدو براقة وجذابة على السطح ، لكن تأثيرها على متابعيها ، وخاصة الأطفال ، قد يكون مضرًا إذا لم يتم مراقبته وتنظيمه. فمنصات التواصل الاجتماعي كما تعرفون تسعى إلى توفير بيئة تفاعلية تجمع بين الناس من مختلف الفئات العمرية والثقافية. ومن خلال هذه المنصات ، يطلع الأطفال والشباب على محتويات متنوعة ، بعضها يمثل قدوة حسنة ، بينما البعض الآخر قد يكون له تأثير سلبي. لكن مع الانفتاح الكبير على هذه الشبكات ، أصبح من الصعب تحديد ما هو مناسب وما هو ضار.
فمن خلال عدة دراسات ، كدراسة أجراها معهد “أبحاث التواصل الاجتماعي”، تبين أن حوالي 40% من الأطفال يعتمدون على محتوى منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه سلوكياتهم. وقد أظهرت الدراسات أن التأثير النرجسي لبعض المشاهير على منصات التواصل يؤدي إلى تعزيز السلوكيات السطحية ، مثل التفاخر بالممتلكات أو الظهور في شكل مبالغ فيه لتحقيق مكاسب شخصية أو مادية. ومن أبرز المشكلات التي تم الإشارة إليها هي انعدام النضج العقلي لدى بعض المشاهير الذين يقدمون محتوى قد لا يكون لائقًا ويعكس أفكارًا غير متوافقة مع العادات والتقاليد المجتمعية. على سبيل المثال ، سلوكيات كالإسراف أصبحت أكثر ظهورًا نتيجة لبعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين يدعون لممارسة أساليب حياة قد تروج لبعض القيم المرفوضة اجتماعيًا.
فمن أبرز التأثيرات السلبية التي يسببها بعض مشاهير منصات التواصل الاجتماعي هو تأثيرهم على صورة الجسد والعديد من المفاهيم الصحية والنفسية بين الأطفال والشباب. فبعض المشاهير مثلا قد يقدمون أنفسهم بشكل غير واقعي ، مما يدفع المتابعين إلى الإيمان بأن هذه النماذج هي التي يجب أن يتبعها الجميع. فوفقًا لدراسة حديثة أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية ، وجدت أن حوالي 60% من الفتيات الشابات يشعرن بالضغط لتحسين شكل أجسامهن ، نتيجة لمحتوى مشاهير التواصل الاجتماعي الذين يعرضون أجسامًا نموذجية وغير طبيعية. يمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى اضطرابات في الأكل أو الاكتئاب أو القلق ، خاصة بين المراهقات والشباب الذين يعتبرون أن هذه الصور هي المعيار للجمال.
كذلك بعض مشاهير منصات التواصل الاجتماعي يروجون لسلوكيات قد تتناقض مع القيم الثقافية والاجتماعية. فمثلا ، قد تروج بعض الشخصيات لمحتوى يُظهر التحديات الخطيرة أو الألعاب الإلكترونية العنيفة أو حتى التصرفات غير اللائقة. فهذه الأنواع من المحتوى تؤثر بشكل غير مباشر على سلوكيات الشباب ، مما يدفعهم لتبني هذه التصرفات التي قد تكون ضارة جسديًا وعقليًا. في دراسة تحليلية أظهرت أن 35% من المراهقين يتأثرون بمحتوى منصات التواصل التي تعرض سلوكيات متمردة أو تدعو لعدم الالتزام بالقيم والعادات. فهؤلاء الشباب قد يجدون قدوتهم في هؤلاء المشاهير ويبدأون في محاكاة تصرفاتهم ، مما يخلق فجوة بين ما هو مقبول اجتماعيًا وبين ما يُعرض عبر الإنترنت. فمن الأسوأ أن يتزامن الإعجاب أو الاقتداء بأشخاص لا يمتلكون معايير حقيقية للقدوة مع تغيرات مراهقة قد يمر بها الشباب. الجيل الصاعد ، الذي لا يزال في طور بناء شخصيته وفهمه للعالم من حوله ، قد يتأثر بسهولة بهذه النماذج السلبية. فمن أسوأ النتائج المترتبة على هذه التأثيرات هو تغيير المفاهيم الثقافية لدى الأجيال الجديدة ، خاصة إذا كانت هذه المفاهيم تتعارض مع القيم التربوية والدينية.
فمن هذا المنطلق ، يجب أن تقوم الجهات المختصة بوضع ضوابط على محتوى منصات التواصل الاجتماعي ، لا سيما الذي يتم ترويجه من قبل المشاهير المؤثرين، وذلك لضمان أن المحتوى المقدم يتماشى مع المعايير الثقافية والأخلاقية للمجتمع. على سبيل المثال ، يجب أن يتم وضع قوانين رقابية للحد من تقديم محتوى يروج لأساليب حياة غير صحية أو غير أخلاقية. وكذلك تعزيز التوعية لدى الشباب حول كيفية التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي بطريقة مسؤولة وآمنة. بالإضافة إلى الاستفادة من البرامج التربوية والمبادرات الحكومية لتنمية قدرات الشباب على التفكير النقدي وتحليل المحتوى المقدم. بجانب تشجيع المحتوى الإيجابي ، فلابد تشجيع المشاهير على تقديم محتوى بناء وملهم يعزز القيم الإنسانية والإيجابية.
ختاما ، يجب أن نعترف بأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وعلى الرغم من فوائدها العديدة ، إلا أن هناك تأثيرات سلبية ملحوظة بسبب نماذج هشة لبعض المشاهير التي يقتدي بها الأطفال والشباب. ومن هنا ، تكمن الحاجة إلى تنظيم المحتوى الذي يتم عرضه ، إلى جانب تعزيز الوعي بين الأطفال والشباب حول كيفية اختيار قدواتهم بعناية. فالأمر يتطلب من الجهات المختصة التدخل لتحديد الضوابط اللازمة للحد من التأثيرات السلبية ، بما يعكس القيم والمبادئ الاجتماعية التي نسعى إلى غرسها في الأجيال القادمة.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود