تعد ظاهرة نكران الجميل سلوكاً شائعاً ، ويعبر عن الجحود تجاه من قدم معروفاً أو صنع جميلاً ، وهي ظاهرة لا تقتصر على نوع معين من العلاقات ، بل يمكن أن تحدث بين الأصدقاء ، العائلة ، والزملاء ، بل حتى بين الأفراد داخل المجتمع بشكل عام. إن هذا السلوك يعتبر من أسوأ السلوكيات الاجتماعية التي تضر بالعلاقات الإنسانية وتقوض الروابط بين الناس ، وقد يكون له تأثير سلبي طويل المدى على المجتمعات التي يعم فيها هذا الجحود.
فنكران الجميل لمن يريد ان يعرف مفهومه ، هو أن ينسى الشخص أو يتجاهل معروفاً قدم له من شخص آخر ، بل وقد يصل به الحال إلى أن يتعامل مع من قدم له المساعدة أو الفائدة بغير تقدير أو عرفان. وهذا التصرف غالباً ما يصاحبه شعور بالأنانية وعدم الاحترام ، حيث يعتقد الفرد أن كل ما تم تقديمه له هو حقه ولا يستحق شكر أو تقدير. فالجحود، من جهة أخرى ، هو حالة من الإنكار أو التغافل عن إحسان الآخرين ، مما يؤدي إلى تدهور العلاقة بين الأطراف المعنية.
بطبيعة الحال ، تختلف أسباب نكران الجميل باختلاف الظروف والدوافع الشخصية. فمن أبرز هذه الأسباب:
1. الأنانية: قد يؤدي شعور الشخص بالأنانية إلى تقليل تقديره لجهود الآخرين. ففي هذه الحالة ، يعتقد الفرد أن ما قدمه الآخرون له كان من واجبهم أو لم يكن يستحق الشكر.
2. عدم الوعي أو الفهم: ففي بعض الأحيان ، قد يكون الفرد غير مدرك أو غير قادر على فهم حجم المساعدة التي تلقاها ، وبالتالي لا يشعر بضرورة الشكر أو العرفان.
3. الظروف النفسية أو الاجتماعية: ففي حالات معينة ، قد يكون نكران الجميل نتيجة لمشاعر غاضبة أو سلبية تجاه الشخص الذي قدم المعروف ، مثل الشعور بالحسد أو الغيرة.
4. التعود على تلقي المساعدات: قد يعتاد الفرد على الحصول على الدعم والمساعدة من الآخرين بشكل مستمر ، مما يجعله يعتقد أن ذلك أمر طبيعي ولا يستحق الشكر.
لا شك أن نكران الجميل له تأثيرات سلبية للغاية على العلاقات بين الأفراد ، وهذه التأثيرات قد تكون جسيمة في بعض الأحيان ، وتتراوح بين تدهور العلاقات الشخصية إلى فقدان الثقة بشكل كامل. فمن أبرز هذه الآثار:
1. تفكك العلاقات: يعد نكران الجميل من الأسباب الرئيسية لتفكك العلاقات بين الأفراد، إذ يشعر الشخص الذي قدم المساعدة بالإهانة والجحود، مما يؤدي إلى تدهور العلاقة وفقدان الثقة بين الطرفين.
2. تفشي مشاعر الغضب والاستياء: قد يسبب نكران الجميل شعوراً بالغضب أو الاستياء لدى الشخص الذي قدّم معروفاً ، مما يؤثر على حالته النفسية وقدرته على التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي.
3. فقدان الاحترام: من المؤكد أن الشخص الذي ينكر المعروف لا يستحق الاحترام ، وهذا ينعكس على الجميع من حوله. فتكرار هذه التصرفات يؤدي إلى فقدان الاحترام من قبل المحيطين به ، وتدريجياً يصبح معزولاً عن باقي الناس.
4. انعكاسه على المجتمع: عندما تنتشر ظاهرة نكران الجميل داخل المجتمع ، فإنها تخلق بيئة سلبية تؤدي إلى ضعف التعاون والتكافل بين أفراده، مما ينعكس بشكل سلبي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
في المقابل، إذا كانت العلاقات الإنسانية قائمة على العرفان والوفاء، فإنها تصبح أكثر قوة وصلابة. فالعرفان بالجميل ليس مجرد كلمات تقال ، بل هو فعل ينبع من الإحساس الداخلي بالتقدير والاحترام تجاه من قدم لنا المعروف. إن الوفاء هو أساس بناء العلاقات المستدامة ، وهو العامل الذي يحفظ الترابط بين الأفراد ويعزز الروابط الاجتماعية.
فتعزيز العلاقات الإنسانية: من خلال العرفان بالجميل ، يمكن أن تقوى الروابط بين الناس ، حيث يشعر كل طرف بالتقدير والمساهمة في بناء علاقة متينة قائمة على الاحترام المتبادل. كذلك التحفيز على التفاعل الإيجابي: عندما يُظهر الأفراد العرفان والوفاء ، فإنهم يشجعون الآخرين على تقديم المزيد من المساعدة والعطاء ، مما يؤدي إلى خلق بيئة اجتماعية أكثر تعاونية وودية.
ايضا حماية الثقة المتبادلة: فالوفاء والعرفان يساعدان في بناء الثقة بين الأفراد ، وهي العنصر الأساسي لاستمرارية أي علاقة سواء كانت صداقة أو علاقة عائلية أو حتى في العلاقات المهنية.
من هذا المنطلق ، اقدم النصائح التالية لتجنب نكران الجميل وتعزيز الوفاء:
1. التقدير الصادق: يجب على الأفراد أن يظهروا التقدير الحقيقي للأشخاص الذين يقدمون لهم المساعدة. هذا لا يعني فقط قول “شكراً”، بل أن يكون هناك فعل يعبّر عن الشكر والامتنان.
2. المحافظة على العهد: الوفاء يعد من أبرز مظاهر العلاقات المستدامة ، لذلك يجب على الشخص أن يلتزم بكلمته وأن يعترف بفضل الآخرين عليه في الأوقات المناسبة.
3. التواضع: التواضع يساعد الأفراد على تقدير المساعدة التي يتلقونها من الآخرين، ويسهم في تقوية العلاقات بشكل عام.
4. التفكير الإيجابي: يجب على الأفراد تبني مواقف إيجابية تجاه من يساعدهم ، والتركيز على أن من يقدم المساعدة هو شخص يساهم في تحسين حياتهم ، بدلاً من التفكير في أن هذا الأمر مجرد واجب.
ختاما ، اقول بأن نكران الجميل يعد سلوكاً ممقوتاً يؤثر سلباً على العلاقات الإنسانية ، ويتسبب في تدمير الثقة بين الأفراد. فمن الضروري أن نتبنى قيم الوفاء والعرفان ، وأن نقدر الجميل الذي يقدمه الآخرون لنا. إذا تمكنا من الحفاظ على هذه القيم، فسنتمكن من بناء علاقات أقوى وأكثر استدامة ، مما يؤدي إلى تحسين التفاعل الاجتماعي وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

0