المقالات

السعودية ترفض التهجير وتدعم حقوق الفلسطينيين

عبّرت المملكة العربية السعودية، القلب النابض للعالم العربي والإسلامي، عن استيائها الشديد واستهجانها المتزايد للانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. ولم يكن بيان وزارة الخارجية السعودية إلا ترجمة واضحة لهذا الموقف الرافض لتلك الانتهاكات، بل كان أكثر من ذلك؛ فقد أظهر انزعاج المملكة العميق من التصريحات الصادرة عن بنيامين نتنياهو، التي حملت دعوة صريحة للتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم.

لم يكن الخطاب السعودي مجرد موقف دبلوماسي تقليدي، بل جاء بلغة قانونية وسياسية واضحة لا تقبل التأويل، حيث أكدت المملكة أن هذه التصريحات غير المسؤولة ما هي إلا امتداد لسياسات الاحتلال القائم على التطهير العرقي، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويدخل ضمن جرائم “الإبادة الجماعية” وفق المواثيق الدولية، ولا سيما اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.

تبنّى البيان لغة حاسمة في رفض أي تبريرات يقدمها الاحتلال لهذه السياسات الإقصائية، مؤكدًا أن المملكة ترى الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق شرعي وتاريخي في أرضه، وأن أي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة تشكل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، خصوصًا المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضٍ أخرى.

لم تكتفِ المملكة بالإدانة والشجب، بل عملت على تفنيد سياسات الاحتلال، مشددة على أن ما يمارسه المحتل ليس مجرد تصرفات عدائية عابرة، بل هو نتاج “عقلية متطرفة” تتجاهل الأعراف القانونية والدولية، وتصرّ على تكريس الظلم الممنهج.

استند البيان إلى أدلة موثقة تؤكد انتهاكات الاحتلال الجسيمة ضد المدنيين العزل، لا سيما في غزة، حيث استهدف الأحياء السكنية والبنية التحتية في انتهاك خطير لمبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني، كما نصّت عليه المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.

المملكة العربية السعودية وقفت – ولا تزال تقف – بثبات، جنبًا إلى جنب مع القضية الفلسطينية العادلة، انطلاقًا من إيمانها بأن الشعب الفلسطيني يستحق الدعم في نضاله لاستعادة حقوقه المشروعة. ولم يكن هذا الموقف ظرفيًا أو سياسيًا فحسب، بل هو جزء لا يتجزأ من المبادئ التي تأسست عليها المملكة.

عكست البصيرة الناقدة للسياسات الإسرائيلية في بيان المملكة إدراكها العميق لخطورة هذه التصريحات، حيث اعتبرت أنها ليست مجرد تهديد مباشر، بل تعبير عن نوايا خطيرة تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للأراضي الفلسطينية، وتكريس الاحتلال كأمر واقع.

المسؤولون السعوديون يدركون جيدًا أن سياسات الاحتلال ليست عشوائية، بل هي استراتيجيات مدروسة تهدف إلى فرض واقع جديد، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في المنطقة.

الرسالة السعودية كانت واضحة وصريحة:
• الحقوق لا تسقط بالتقادم.
• الممارسات الإسرائيلية القائمة على التهجير القسري والتطهير العرقي لن تفضي إلا إلى مزيد من التصعيد.

هذا البيان الاستثنائي أعاد للأمة الإسلامية والعربية عزتها، وجدد فيها الأمل، مؤكدًا موقف المملكة العربية السعودية الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة. وأن موقف المملكة ليس مجرد قرار سياسي عابر، بل هو التزام أخلاقي وقانوني، يعكس مسؤوليتها تجاه الأمة وقضاياها العادلة.

• باحث في الشريعة والقانون

د. أحمد علي الشهري

دكتوراه في الشريعة والقانون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى