لا يزال نادي الوحدة بمكة المكرمة في موقع لا يتلائم مع تاريخه وعراقته البتة ، بل ولا يزال هذا النادي العريق غير قادر على أداء دوره المحوري في تنمية المجتمع ، والمساهمة في تحقيق جانب مهم من جوانب الرؤية الطموحة ، والمناط بجميع أندية الوطن.
فالأندية الرياضية تمثل أحد المؤسسات الاجتماعية التي يمكن ان تشكل رافدا مهما وفاعلا في تحقيق مؤشرات التنمية المستدامة ، من خلال تركيزها على الانسان الذي يمثل حجر الزاوية في أي عمل تنموي ، خاصة وأن الرياضة تعتبر أحد مجالات استثمار طاقات الافراد التي تشارك في بناء الوطن وتحقيق تطلعاته.
وفي ظل التطورات الكبيرة التي نعيشها في المملكة اليوم والتي تقودها رؤية المملكة 2030 ، نلاحظ أن محاور الرؤية تمثل الاستراتيجية الشاملة التي تقود العمل التنموي على وجه العموم والمستدام منه على وجه الخصوص ، ولأجل تحقيق ذلك انطلقت فلسفة عمل الرؤية من تصور شامل يعول على كافة مؤسسات المجتمع على اختلافها في تحقيق مؤشرات التنمية المستدامة.
وتأتي الأندية الرياضية من بين أهم هذه المؤسسات الاجتماعية التي تشكل الرياضة فيها نشاطا رئيساً ، والتي يمكن ان يكون لها دور فاعل في تحقيق مؤشرات التنمية ، حيث ان الرياضة تشارك في الاشباع المؤسسي لحاجات الافراد في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية عن طريق الأندية كونها هي المؤسسات المعنية بذلك والتي تقوم بدور تنميه قدرات الاجيال.
ولكن اذا ما فشلت هذه المؤسسات او هذه الأندية الرياضية في تحقيق هذا التوجه وهذا الهدف فالأفضل ان تغلق أبوابها ، أو – على الأقل – أن تتحول الى أنشطة اخرى قد تكون بارعة فيها ، فربما تكون بعض الأندية ذات نشاط فعّال وقوي جدا في المجالات الاجتماعية والثقافية ولها نشاطات بارزة في المجتمع .. ورغم ذلك فإن هذا الجهد يظل مهدر وغير بارز للجمهور بالشكل المطلوب ، بسبب إخفاقها في المجال الرياضي الذي يعد واجهة لهذه المؤسسات ويستحوذ على النصيب الأكبر من انطباعات الجمهور، لذلك فمن وجهه نظري أن إغلاق المجال الرياضي والاكتفاء بالأنشطة الثقافية والاجتماعية سوف يدعم هذا التوجه وسيكون هو السبيل الأمثل للحفاظ على السمعه وينعكس ايجابا على تحسين الصورة الذهنية.
فبطبيعة الحال دور الأندية الرياضية لا يقتصر على المجال الرياضي فقط رغم الأهمية التنموية لهذا المجال ، بل يتسع هذا الدور ليزيد من أهمية التفاعل المجتمعي بين الافراد ويعمق روح العطاء والمشاركة في المجالات الثقافية والاجتماعية والتوعوية وغيرها ، سواءاً من خلال الأنشطة المتنوعة او إدارات المسؤولية الاجتماعية في الأندية التي تقوم بالعمل في هذا الجانب ، ولتكون هذه الأندية ركيزة في اعداد افراد المجتمع للغايات التنموية واستثمار طاقاتهم بالشكل المطلوب بما يعود بالنفع للصالح العام.
ولعل اقرب مثال يوضح ما أقصده هو ما يحدث حاليا في نادي الوحدة بمكة المكرمة من إخفاق مرير وفشل وتخبط في المجال الرياضي وخاصة كرة القدم ، ورغم ذلك إلا أن القائمين عليه لا زالوا يصّرون على الاستمرار مع سبق الإصرار ، بل والاستخفاف بعقول الجماهير من خلال الغطرسة واصدار التصريحات والبيانات الاستفزازية في بعض الأحيان ، وتجاهل الكم الهائل من السخط ، فقد شوهوا تاريخ هذا النادي العريق الذي انطلقت منه كرة القدم بالمملكة العربية السعودية ولطخوا سمعته بدم بارد ، حتى أنهم أساءوا للأنشطة الأخرى التي يتميز فيها النادي ، بسبب هذه الإدارة التعيسة التي تسير في طريق نهايته مظلمة ، ورغم معرفتهم وإدراكهم التام بذلك إلا أنهم متشبثون وغير عابئين بمشاعر محبي هذا النادي وجماهيره الوفية ، وبما يمكن أن يؤول له هذا النادي العريق بسبب تعنتهم ولا مبالاتهم.
ولم يكتفوا بذلك ، بل قاموا بإلغاء عدد من الأنشطة المهمة التي كانت تحقق بطولات للنادي ، مثل كرة اليد والسلة وبعض الألعاب الفردية مثل الجودو والمصارعة وغيرها .. ففي كرة اليد مثلا حقق النادي بطولة المملكة مرات عديدة ووصل الى نهائي كاس آسيا وحقق رابع العالم .. ولو كان لابد من إيقاف أحد الأنشطة فكان الأولى إيقاف كرة القدم التي نسي فريقها الإنجازات منذ أكثر من خمسين عام !
واعتقد ان الاكتفاء بالأنشطة الثقافية والاجتماعية هي السبيل الأمثل حاليا ، وإيقاف الأنشطة الرياضية برمتها ، وتحويلها الى معرض أو متحف للرياضة السعودية ، يحكي تاريخ الرياضة في بلادنا ، التي انطلقت من مكة المكرمة منذ أكثر من مائة عام ، ولتعريف الأجيال من أبناء الوطن ، وكذلك تنظيم برامج زيارات للزوار والسياح الذين يفدون الى مكة المكرمة بأعداد مليونية في كل عام ، ولتعريفهم بتاريخ الرياضة السعودية وتاريخ هذا النادي المكي العريق الذي كان وما يزال حجر الأساس للرياضة السعودية ، وعلى غرار العديد من الأندية الاوربية التي أضحت متاحفا تجني الملايين ، فمتاحف كرة القدم فى العالم أحد المعالم السياحية التوثيقية التى لا تقل أهمية عن غيرها من المتاحف الآخرى ، ولتحكي للأجيال تاريخ هذا الإرث العظيم .

0