المقالات

أين كان فالنتاين في زماننا؟

«زاوية منفرجة»

تعرضت يوم الجمعة الماضي (14 فبراير)، للتحرش الافتراضي، فقد وصلتني ورود حمراء بمناسبة ما يسمى بـ «عيد الحب»، وبصراحة فقد أحسست ببعض الغرور، لأنه وفيما أعلم يتبادل العاشقان وردة واحدة من كل طرف، في حين انني تلقيت باقات كاملة، على صفحتي في فيسبوك، ثم ألقيت بها في الزبالة طلبا للسلامة، لأنه لو رأتها أم المعارك، لحولت ذلك اليوم الى يوم النكد العائلي، خاصة وأنها تعرف بأمر غزواتي العاطفية العاصفة، لقلب الممثلة الراحلة سعاد حسني، والتي راج انها انتحرت بعد أن يئست من الاقتران بي، ثم الممثلة نبيلة عبيد، التي سبق أن تحرشت بي، كما أوضحت في مقال سابق هنا، عندما دعتني وإياها لزيارتها عندما كانت مقيمة في سويسرا، وكان ذلك خلال مكالمة هاتفية في مكتب الأستاذ عبد العزيز الخميس، في قلب لندن عندما كان رئيسا لتحرير مجلة المجلة الباذخة.
ما يحيرني في امر عيد الحب، الذي ارتبط باسم قس اسمه فالنتاين (هو في واقع الأمر شخصية وهمية، لا ذكر لها في أي كتاب يعنى بالمسيحية ومشاهير قساوستها)، ما يحيرني هو: أين كان عندما كنت في شرخ الشباب؟ فقد تلقيت تعليمي العالي في جامعة “مختلطة”، وكنت أتعامل مع زميلاتي في مجال تبادل المذكرات والمراجع، ولكن ولا واحدة منهن تعطفت علي بنظرة او كلمة فالنتاينية، ثم ابتعثني التلفزيون السوداني الى لندن لدراسة فنون انتاج البرامج، وعندها بشرني أصدقائي: صبرت ونلت يا أبو الجعافر، لا عليك ما تعرضت له من تجاهل من زميلات الدراسة، فالآن أنت موعود بحب كارولين وماريا ونانسي وجنيفر، لأن الأنظمة الدفاعية لبنات الغرب عموما تتعرض للانهيار، إذا التقين بأفريقي او عربي، “وأنت ما شاء الله عربيقي جمعت بين الحُسْنَيين”، وتأسيسا على ذلك صادروا ملابسي “السودانية”، ونصحوني بالاكتساء من أسواق لندن حتى ترتفع جرعة الجاذبية عندي، بل وقال أحدهم تحديدا: عليك بسوق شبردس بوش. حيث معظم الباعة من جماعتنا وربعنا (يقصد ذوي الأصول الأفريقية)، وعرفت لاحقا ان ذلك السوق بمثابة “حراج”، تباع فيه الأصناف المضروبة من مختلف أنواع السلع.
وصلت لندن وأقمت فيها، ورغم أن أصدقاء السوء في السودان كانوا في انتظار أخبار غزواتي ونزواتي، إلا أنه لم يحدث طوال وجودي في لندن أن فتاة أعارتني مجرد نظرة عابرة، ولم يكن ذلك يحز في نفسي، لأنني لم أكن سيء الظن بهن، ثم، وفي وذات أمسية كنت مدعوا لحفل نظمته لجنة التضامن مع شعب جنوب أفريقيا، التي كانت تتألف في معظمها من السود (وكنت أشارك في أنشطتها تطوعا)، وبعد بعض الكلمات القصيرة عزفت الموسيقى وبدأ الرقص. رقص من نوع يد على الكتف واليد الأخرى، “أنت وتربيتك”، وكنت أقف في ركن من الصالة، وحولي شباب كان من الواضح أنهم لم يكونوا يملكون مؤهلات تقنع أي امرأة بمراقصتهم. وفجأة وقفت أمامي امرأة سوداء من فصيلة وحيد القرن، وخاطبتني: دانس؟ فقلت لها: ثانك يو. نسيت أن أقول “نو” قبل “ثانك يو”، ومن ثم اعتبرتْ عرضها مقبولا وسحبتني من يدي، حتى صار وجهي على بعد قدم من وجهها، فأصبت بدوار. كانت اسطوانية الشكل، وقطرها نحو متر وربع المتر، وتفوح من مسامها رائحة خمر مخلوطة برائحة التبغ. تصنعت الابتسام وقلت لها: معذرة لا أعرف الرقص، ولكنها قالت: نو بروبليم. سأعلمك الرقص. قلت لها إنني مسلم، ولكنها نو بروبليمتها مرة أخرى، وطوقتني بذراعيها وغاص رأسي في تل من الشحوم الرجراجة. رجاء لا تسيء الظن بي وتقول: على من يا ابو الجعافر؟ يا عزيزيي أقول لك كانت في حجم وحيد القرن، ولا تعرف هل هي مقبلة أم مدبرة، وخشيت ان أرفض مراقصتها فتفتك بي، وهي سكرانة. ولا أعرف لِكم من الوقت جرجرتني، فقد دخلت في غيبوبة لانعدام الأوكسجين، ولحسن حظي توقفت الموسيقى قبل ان أصاب بموت دماغي، ولما تركتني فقدت توازني وخرجت مترنحا اصطدم بالناس والأثاث. و كان ذلك يا جماعة حظي من الغزوات النسائية في لندن. يعني أنا الذي تعرضت للغزو. أنا الذي كنت الضحية والخاسر. وبعد تلك التجربة جمدت نشاطي ضد نظام الفصل العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا. كيف أتعاطف مع سود ذلك البلد وسيدة سوداء كادت ان تقتلني باسم الرقص؟
ثم كان ما كان من أمر جاري الإنجليزي الكهل، عندما أقمت في منطقة كامدن تاون، الذي دعاني الى كوب شاي في بيته. قرعت جرس الباب وسمعت صوتا مجلجلا: هااااو، فأصدر قولوني إنذارا، وجاء الرجل ومعه كلب في حجم عجل، وصافحني وسحبني من يدي لأدخل. ودخلت وجلست، وأنا أقرأ: قل أعوذ برب الفلق، وجاء الكلب وصار يشمني وقولوني يصيح “قوووق” ومثانتي تنذر بالانفجار، والرجل يقول لي: هي لايكس يو. أي ان الكلب ابن الكلب يحبني، وطلب مني ان اطبطب على رأسه، ففعلت بيد مرتجفة كمحاولة لتطبيع العلاقات، فما كان من الكلب إلا ان قفز وجلس في حجري وصار يلعق وجهي، وكانت تلك اللحسة هي البوسة الأولى والأخيرة التي عدت بها من لندن، ويا للعار كانت من كلب. يعني حتى مش كلبة.
وأعود الى موضوع فالنتاين، بعد تقديم الأدلة القطعية بأنني لم أكن يوما مؤهلا لأفوز بـ”بركاته”!! ودعوني أتساءل: لماذا لا يكون هذا “العيد” في 9 مارس أو 23 أغسطس؟ لماذا فبراير بالذات وهو شهر باهت وضعيف الشخصية، وليس لعدد أيامه حساب ثابت؟
وأختم مقالي هذا بالقول: لا مانع عندي في أن يكون هناك احتفاء بالحب، بل إنني من أنصار ان يكون الناس جميعا في حالة حب على مدار أيام السنة، ليس فقط حب تسبيل العيون ورفرفة الجفون و”بالهمس واللمس والآهات والنظرات واللفتات”، بل الحب الشامل الذي يجعل القلب يتسع للمحبوب ولكل بني البشر. وأتمنى للجميع مواسم حب متصلة، ولو لم تصل أحدكم ورود حمراء قبل يومين، عليكم بـ”غوغل” ففيه كوكتيل ورود ببلاش، وخذ منها ما يكفيك لعشر سنوات.

جعفر عباس

كاتب صحفي (ساخر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى