رحل الدكتور النبيل الجليل محمد مريسي الحارثي، لكنه لم يغب، فقد ترك وراءه ضوءاً يملأ الأفق، وحرفاً ينحت في ذاكرة الزمن، وسيرةً نقيةً كالمطر. كان فكره بحراً مترامياً، وأدبه سماءً لا يطالها إلا أهل الذائقة الرفيعة. عاش شامخاً، نبيلاً، نقياً، ورحل كما يليق بالكبار، تاركاً أثره في القلوب قبل الأوراق، وفي الأرواح قبل الكتب.
أيها الراحل الذي لم يرحل، كيف يرحل
من وهب للأدب عمره، وللعلم وقته،
وللطلاب روحه؟
لقد كنتَ رجلَ الابتسامة الطاهرة،
والخلق الباذخ، والحرف الرفيع،
فكيف لنا أن نرثيك وقد كنتَ أنت التأبين للراحلين؟
قال المتنبي في رثاء أستاذه وأخيه وصديقه:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ

وقد غامرتَ، يا فقيدنا، في ميادين الفكر والأدب، فبلغتَ من المجد أعلى مقام، وها أنتَ الآن في ضيافة الكريم، حيث لا وجع ولا ألم.
عزاؤنا أنك لم تكن مجرد أستاذ،
بل كنتَ اخا روحياً، ومرجعاً علمياً، ونموذجاً للإنسان المبدع، والأديب الأنيق.
اللهم اغفر له، واجعل علمه نوراً يضيء له في قبره، وأسكنه فسيح جناتك، وارزق أهله ومحبيه كثافة الصبر والاجر والسلوان.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)