هل يوم الوطن كلام يتجدد؟!
أم إنجاز يعدد؟!
أم قصة تروى؟!
أم قصيدة تلقىٰ؟!
أم غنائية تشدىٰ؟!
كل هذه الاسئلة وغيرها تدور بخَلَدي وآفاق تفكيري كلما استدار الزمان وجاء الاحتفال بيوم الوطن، مع عقيدتي الراسخة أن الوطن أكبر من كل ذلك بكثيييير!
إذاً ما هو الوطن؟
هل هو سماء ذات أبراج؟!
أم أرض ذات فجاج؟!
أم بحار ذات أمواج؟!
أم بشر ومصانع وإنتاج؟!
أيضاً ليس هذا كل الوطن بل جزء من الوطن!
الوطن في نظري أسمىٰ من كل ذلك!
لقد كتبتُ في الوطن نثراً، وكتبت شعراً، وقرأتُ مئات القصائد الحماسية، وسمعتُ الأغاني الوطنية، لكن كل ذلك لم أجده يعبر التعبير الشافي والكافي عن الوطن، وعرس الوطن المتجدد الذي نستذكر فيه أمجاده ومآثر مؤسسية ورموزه.
إذا الوطن ويوم الوطن وحب الوطن وعرس الوطن لا يكفيه أن يُكتب شعراً ولا نثراً ولا غناءً!
الوطن دين حاكم، وقيم سائدة، وأخلاق تامة، وعِرض يصان، وكرامة لا تمتهن!
الوطن شعور وانتماء، وفاء وإثار، إخاء وتضحية، ولاء وشغف، بذل وعطاء، عشق لا ينتهي!
فكيف لنا أن نرى كل ذلك في الوطن؟
نراه بفضل الله ثم في مسيرة قادتنا، ورواد وحدتنا، وفخر ماضينا، وصنّاع حاضرنا، وساسة مستقبلنا، صنعوا من شتاتنا وحدة، ومن أفرادنا جماعة، ومن اختلافنا تكامل، ومن فقرنا غِنىٰ، ومن جفافنا رِواء، ومن صحارينا حقول، ومن جهلنا معرفة، ومن رأينا عقول، ومن ضعفنا قوة، ومن كلامنا فعل، حتى أصبحنا وطناً منيعاً، لا تناله الأيدي، ولا يطمع فيه الطامعون، وطناً آمناً مطمئناً بفضل الله ثم بجهود قادته وشعبه.
نراه في وفاء المسؤول، وولاء المواطنون العاملون الصامتون المثابرون، ليرتقوا جميعاً سلم المجد وفق رؤية طموحة وهمة عالية !
نراه في دم الشهيد المجاهد في سبيل الله، دفع حياته دون مقدساته ووطنه، وترك الأهل والأحباب والأصحاب وملذات الدنيا وطلب نعيم الآخرة، ليبقى وطنه دائماً وأبداً حراً أبياً عصياً على المعتدين.
نراه في براءة الصغير، وفي تضرع الشيخ الكبير رافعاً يداه للسماء ومستقبلا القبلة داعياً:(رَبِّ اجعَل هذَا البَلَدَ آمِنًا).
فظفِر ببلدٌ آمن وربٌ غفور!
نراه في كل مواطن غيور على سمعة وطنة في حضره وسفره، لا يرضى أن تمس بسوء، سواء كان على ثرائه أو غادر حدوده لنزهة أو دراسة أو علاج، تراه مستشعراً المسؤولية الوطنية كسفير لوطنه عاكساً قيمه الدينية والاجتماعية والثقافية على أكمل وجه!
نراه في ذلك المواطن الفقير الذي تُعرض عليه كنوز الدنيا ليغدر أو يخون أمن وطنه أو اقتصاده فيأبى دينه ووطنيته ذلك!
نراه في جندي الأمن، وفي رجل الجمارك اليقظ، الذي كان جبلاً شامخاً منيعاً، يحمي وطنه من عتاة المجرمين الفاسدين الحاقدين الذين ما فتئوا يحاولون أن يتجاوزوا بحيلتهم القذرة وأسلوبهم الرخيص فطنة ذلك الشامخ فأعياهم ذلك!
نراه في سلوك كل غيور على دينه ومقدساته وأمنه ولحمة وطنه وممتلكاته واقتصاده وكل مقدرات وطنه، فهو لا يعمل أو يتكلم رياء أو سمعة؛ بل يعمل في صمت من أجل وطنه، حتى لو لم يره أحد، ولو لم تلتقطه كميرات النشر، ولو لم تكتب عنه الصحف والمجلات والمدونات السيارة، أو تنشر عنه وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ينتظر من مسؤولا شكراً أو ثناء، يعمل لأنه يعلم أن الله يسمع ويرىٰ مستحضراً قوله تعالى:﴿وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾[التوبة: ١٠٥]
وفي الختام يوم الوطن وعرس الوطن وفرح الوطن سرمدي أبدي، لا يحدده الوقت ولا يقيده الزمن، الوطن قلب ينبض ودماء تتدفق وأنفاس تستنشق من خلالها تعرف معنى الحياة وقيمتها!
الوطن أكبر من أن يكتب أو يقال، وقد أعيتنا الحيلة في التعبير عن حب الوطن ورد الجميل، ولا نقول إلا ما قال أبو الانبياء إبراهيم عليه السلام إذ قال : ﴿…رَبِّ اجعَل هذا بَلَدًا آمِنًا وَارزُق أَهلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ…﴾.[البقرة: ١٢٦]
ًًأكاديمي ومستشار قانوني وأمني
وعميد كلية الحقوق بجامعة الأصالة/الدمام