المقالات

مراحل تأسيس الأمن السعودي

الذي يستعرض تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة يلاحظ إهتمام مؤسسيها يرحمهم الله ومن تبعهم من إخوانهم وأبنائهم بتوطيد الأمن وإقامة العدل لثقتهم الأكيدة أن إستتباب الأمن سيكون سبباً في بناء الإنسان وتنمية المكان .

وقد تأسّست الدَّولة السُّعودية الأولى على أُسسٍ مُجتمعيةٍ مُتعدِّدةٍ،منها حاجةِ المُجتمع في نجد والجزيرة العربيّة إلى تحقيقِ حالةٍ من الأمنِ المُجتمعي الشّاملِ، والاستقرارِ الاجتماعي للفردِ والأُسرةِ والقبيلةِ والمُجتمع في كلٍّ من البوادي والقُرى، وحِفظِ أمنِ طُرق قوافل الحُجّاج والتّجارة، المارّة بِبُلدان نجد، وضمان سلامة وصولها إلى المُقدّساتِ الإسلاميّةِ في مكّة المُكرّمة، والمدينةِ المنوّرةِ، ثمَّ ضمان سلامة عودتها إلى بُلدانها بأمان.

وكانت حاجة المُجتمع ضرورية في نجد والجزيرة العربية إلى دولةٍ قويّة تعمل على تحقيقِ الأمنِ، والعدلِ، والمُساواةِ، وتأمين سُبل التطوّر والازدهار والعيش الكريم للنّاس .

ولذلك فإنّ السَّبب الرَّئيسي في ظُهورِ الدَّولة السُّعوديَّة الأولى تمثّل في حاجةِ المجتمع في نجد آنذاك إلى ضبط الأمن ومنع الفوضى، وتحقيق الأمن والأمان، ونشر العَدل والمُساواة بين النّاس، وحفظ أمن طُرق الحجّ والتِّجارة في البلاد.

ثم جاءت الدولة السعودية الثانية ويعدّ الإمام تركي بن عبدالله محورًا أساسيًا فيها إذ أسسها عام 1240هـ/1824م، واتخذ الرياض عاصمة لحكمه، وأعاد أغلب أقاليم الدولة السعودية الأولى لحكم الدولة الجديدة. واتجه إلى بسط الأمن وإقامة العدل ومد نفوذ الدولة إلى مختلف المدن التي كانت تحت حكم الدولة السعودية الأولى.

ثم في الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه عام 1319 هـ كان يدرك أن صلاح البلاد والعباد يكمن في استتباب الأمن، ولذلك قال في بيانه الشهير الذي حرره في 8 جمادى الآخرة عام 1344هـ ( إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من النزاعات والأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار فأني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا ) .

ويكمن سر التحول الأمني السريع واستتباب الأمن في تلك الفترة إلى الحزم في تطبيق الشريعة الإسلامية والعزم على نشر العدل بين الناس ناهيك عن حاجة الناس إلى الأمن وهم الذي كانوا يعيشون تحت ضغط الخوف على الأرواح والممتلكات.

وحملت بداية التأسيس اهتمام الملك عبد العزيز بالاستقرار وضمان التوحيد، عبر الأمن والعلم، وبدأ ذلك واضحاً جلياً بعد ضم الحجاز للدولة عام 1925، حيث كان في إقليم الحجاز بعضاً من التنظيم الإداري والأمني للحاجة القائمة في مواسم الحج والعمرة، وحينها قرر الملك عبد العزيز إنشاء مديرية الشرطة في مكة المكرمة، تبعها بعد فترة قصيرة إنشاء مديريات للشرطة في المدينة المنورة والرياض والطائف، مبررا تلك الخيارات من المناطق كمرحلة أولى للاهتمام بالحجاج والمعتمرين وضمان أمنهم وتأدية المناسك بطمأنينة.

و لم تكتمل أعوام خمسة من ذلك التاريخ حتى أنشئت مديريات للأمن في الأحساء والظهران شرقا، وأبها ونجران جنوبا، ورابغ وتبوك وينبع والوجه على الساحل الغربي والشمال الغربي، لتحقيق الغاية الأساسية من ضمان أمن الحدود واستتباب الأمن الداخلي بها.

ولضمان استقرار البدو الرحل، في نجد والشمال، وقريبا من المناطق الشرقية، أسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله ما يزيد على 100 هجرة، وكانت تلك الخطوة المهمة فيما يعرف بتوطين البادية لها أبعاد أمنية وتعليمية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وحققت نتائج كبرى على صعيد أبناء القبائل.

وتجدر الإشارة الى أنه بعد إنشاء «مديرية الشرطة العامة» في مكة المكرمة تم التوسع بشكل كبير في أعمال المديرية، فشُكلت شرطة حماية الأرواح والممتلكات وشعب التفتيش والمحاسبة وأصبحت لتلك المديرية أقسام إدارية، منها شعبة التفتيش العام ومكتب مراقبة الأجانب والجوازات والجنسية، والمرور، وشعبة التجنيد، والمجلس التأديبي العام، وقسم عدلي يهتم بالقضايا الجنائية وضبط المجرمين، كذلك أنشئ قسم إداري يعنى بتنظيم الدوريات للحراسة العامة، إضافة إلى إنشاء «مصلحة خفر السواحل» عام 1927 لمراقبة سواحل المملكة العربية السعودية الممتدة لأكثر من ألف ميل على البحر الأحمر والخليج العربي.

وفي عام 1938 م تحولت «مديرية الشرطة العامة» إلى مديرية للأمن العام وجرى التحديث في تشكيلات الأمن بشكل يوازي التغير في المجتمع عبر ابتعاث عدد من الطلاب إلى الخارج؛ لاكتساب الخبرة والاطلاع على مسار التطور في بلدان تعد متقدمة آنذاك، ومنها التخصص بحركة النقل والمرور، وعلوم الأمن وتخصصات الأمن الجنائي.

وفي عام 1948 هـ صدر نظام جديد للأمن العام تضمَّن واجباته وتشكيلاته الجديدة، وتم إنشاء إدارة تعنى بالسجون تحت اسم «إدارة مصلحة السجون»، وكذلك تم ضم «إدارة المطافئ» التي أنشئت سابقا في عام 1945 إلى مديرية الأمن العام، كما شمل ذلك النظام إنشاء «قسم المرور». ولم تقتصر أوامر الملك عبد العزيز على ذلك، بل أسس في عام 1937 «مدرسة الشرطة» في مكة المكرمة ، والتي عملت على إعداد الضباط، وانتدب إليها بعض المتخصصين في الطب الشرعي والتمارين العسكرية وفنون الرماية وقيادة الدراجات البخارية والسيارات، وبعض الأنظمة الإدارية وكذلك المباحث الجنائية.

وكان جهاز الأمن العام تابعا لما كان يعرف بـ«النيابة العامة» وهي نيابة تأسست في عام 1926 في الحجاز، تشرف إداريا على الإقليم، وتضم عددا كبيرا من القطاعات مثل الصحة والبلدية والتعدين والتجارة والزراعة والبرقيات وغيرها من القطاعات، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله (الأمير حينها) النائب العام، ملحقا له في مسؤولياته تحت نظام «مجلس الوكلاء» الشؤون الخارجية والمالية والشورى.

وفي عام 1951 أصدر الملك عبد العزيز أمراً بإنشاء وزارة الداخلية، لتكون مهمتها وفق النظام الإدارة العليا لمناطق المملكة العربية السعودية، والأجهزة الأمنية بالحجاز، واستمرت حتى اكتمل إشرافها على كل المناطق إداريا وأمنيا، وكان الأمير عبد الله الفيصل وزيرها آنذاك.

وتوالت الإنجازات وزادت التجهيزات الأمنية والإمكانيات البشرية خلال حكم الملوك البررة أبناء الملك المؤسس طيب الله ثراه الى أن تجاوزنا الكثير من الدول في التأهيل والتدريب والوقاية من الجريمة ومكافحة الإرهاب وتنظيم الحشود وغيرها من الإنجازات التي أصبحنا فيها مضرب المثل لمختلف دول العالم .

وللحاجة الماسة وفي ظل زيادة تمكين المرأة تم الحاق كثير من المواطنات السعوديات بالوظايف الأمنية بعد تدريبهن على مختلف الفنون الأمنية التي تتطلب مشاركتهن وأثبتن ولله الحمد جدارتهن وساهمن كثيراً في الوقاية من الجريمة ومنع وقوعها .

و قد حصلت المملكة العربية السعودية عام ٢٠١٩ على المركز الأول في المؤشر الأمني متفوقة على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، و الثالثة بين دول مجموعة العشرين في ذات المؤشر،ونجحت في تحقيق المركز الاول في مؤشر ثقة المواطنين بالخدمات التي تقدمها الشرطة.وفي عام٢٠٢٠ حققت المملكة المركز الأول في مؤشر شعور المواطنين بالأمان اثناء السير بمفردهم ليلاً مقارنة بجموعة العشرين وأصبح من الصعوبة بمكان التشكيك في قدراتنا الأمنية.

• كاتب رأي ومستشار أمني
• بمناسبة يوم التأسيس

عبدالله سالم المالكي

كاتب رأي - مستشار أمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى